سبق وذكرت أن التخطيط مهم وأنه من عوامل النجاح في معظم الأمور. لكن هل المقصود هنا هو أن يقوم الشخص بتكريس كل وقته في التخطيط، محاولاً توضيح نمط المستقبل على حساب الوقت الحاضر؟ بالطبع لا، فالتخطيط مجرد جزء واحد من العمل نحو المستقبل لتفعيل أعمالك نحو تحقيق ما تنوي إنجازه. فكما قال المصطفى (ص): «خير الأمور أوسطها»، فالمبالغة في التدقيق والتخطيط هي الفرق بين الذي يعيش ليخطط ومن يخطط ليعيش.
الكل يريد النجاح في المستقبل، لكن هذه الرغبة يجب ألا تجعلك منهمك التفكير، منقباً عن سبب أو خطة ما لكل ما تفعله. الحقيقة هو أن الأمور لا تسير بتنسيق تام، ولا بالضرورة مرتبطة هي بالأخرى. فأحياناً، يكشف الزمن الرابط بين الأمور بعد أن سارت مجراها، وبعد أن مرت السنوات أو العقود. فربما عملت أو درست شيئاً قد لا ترى فيه فائدة، لكن قد تبتسم عندما يأتي المستقبل؛ من دون تخطيط مسبق، ويربط ماضيك بحاضرك.
فلا داعي للقلق إن وجدت نفسك تدرس شيئاً مسلياً حالياً ولا تجد فيه فائدة عملية، أو تصرف بعض الوقت في اللعب أو تساهم في مشروع خارج نطاق مهنتك أو عملك الحالي. طالما فعلت ما تحبه فأنت تسير نحو مستقبلك بأفضل تخطيط! لا أرقام، لا تواريخ، ولا سبب إلا واحد، وهو إنك تستمتع بما تفعله أو تدرسه. الفكرة هنا هو أن تحاول أن تتقبل الأمور كما هي من دون الخوف إن كانت مفيدة مئة في المئة أو تدخل ضمن تخطيطك.
لكن لا تفهمنا خطأ، فنحن لا نقول إنك يجب أن تتهور وتفعل كل ما ترغب به. بل نقول لك إن تفعل ما تحبه وليس ما هو مضر لك ولمن حولك. فهناك الكثير من الإغراءات في الحياة التي تستنزف الشخص وتهلكه. لكن هناك أيضاً الكثير من الأمور الأخرى التي تنمي و تطور الشخص، من القراءة إلى الرياضة ومن دروس الفن والموسيقى إلى غيرها من الهوايات. قد لا تكون لها فائدة حالياً غير أنها مسلية. لكن من قال إن التسلية غير مرغوبة؟
في غمرة أعمالك اليومية وخططك الإدارية، يجدر بأن تخطط لأن لا تخطط. بأن تجري وراء هواك في بعض الأوقات والأمور. المشكلة هو أننا نتعلم في المعاهد مدى أهمية التخطيط وتوضيح منطق لكل شيء نقوم به، لكن قلما نتعلم بأن نؤمن بالحاضر ونعيشه، وأن نعمل بقلوبنا كما نعمل بعقولنا. لنعرف بأن المستقبل ليس مجرد خطط، مجرد حبر على ورق، بل أكثر من ذلك
العدد 1347 - الأحد 14 مايو 2006م الموافق 15 ربيع الثاني 1427هـ