العدد 1347 - الأحد 14 مايو 2006م الموافق 15 ربيع الثاني 1427هـ

الخصخصة من منظور آخر

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

لست اقتصادية ولا أدعي الفهم في المجالات الاقتصادية، لكن ببساطة شديدة كونت رؤية أولية بشأن مشروع الخصخصة، ووجدت نفسي لا انسجم معه كثيراً، لا لأنه مشروع غير مجد أو غير نافع، لكن باختصار لأنه مشروع «رسمي» جاء من أجل المنفعة الحكومية البحتة على حساب المواطن الفقير الذي لا حول له ولا قوة، الذي لا يطمع إلا في الحصول على عمل يسترزق منه وبيت يؤويه إذا رجع من عمله متعبا... وكفى الله المؤمنين القتال. غير مقتنعة لأنه بحسب المعطيات الموجودة فقط جاء المشروع لأن غالبية الدول من حولنا ماضية قدما باتجاه المشروع، ولابد لنا من أخذ زمام المبادرة، فأصبحنا نقلد الدول من حولنا في كل شيء سلبي، لكننا نغض الطرف عن الأمور الإيجابية وكأننا لا نراها. فنحن لا نرى جارتنا الكويت مثلاً وهي ترفع من سقف الحريات سواء من خلال الصحافة الحرة أو غيرها، ولكن ننظر إلى قطر واليمن وهما تطبقان الخصخصة، فأصبحنا نأخذ الأشياء «بعلاتها»، على رغم أن قانون الخصخصة في اليمن متقدم عما لدينا.

القضية طبعاً لا يمكن تبسيطها، وإذا كان ولابد من الامتثال للخصخصة فلابد من توافر أمور عدة كالتدرج والأخذ بأسباب دراسات الجدوى، ومشاركة أطراف الإنتاج، وليس اعتماد سياسة «أنا ومن بعدي الطوفان» التي لا جدوى ترتجى منها.

لا استطيع أن أرى بعيني المجردة إيجابيات وفوائد الخصخصة، بعد أن تشبعت حقيقة من مشاهدة صور الفشل في المشروعات التي خصخصت، ولكم أن تشاهدوا صور الفشل في قطاع حيوي ومهم كقطاع البلديات بعد خصخصته، إذ أخذنا نرى القمامة ملقية هنا وهناك على الأرض ترتع فيها الحيوانات ليل نهار، وأصبحت شوارعنا غير نظيفة، بينما يقولون إن هدف الخصخصة تحسين الخدمات إلى الناس.

قطاع المواصلات مثال آخر، فبعدما خصص أصبح المشوار الذي يستغرق عشر دقائق، أصبحنا نقطعه في نصف ساعة على الأقل، وهم يقولون إن قطاع المواصلات تحسن كثيراً، لكن لو صح ذلك فعلا لترك معظمنا سيارته في منزله وتوجه صباحاً إلى سيارات «كارس» لتحمله إلى عمله كل يوم، ولوفرنا على أنفسنا زحمة الطوابير التي لا تنتهي صباح مساء. وحالنا أصبح يشابه حال مصر، مع أن مصر لديها من الأسباب ما يجعلها مزدحمة طوال الوقت بسبب الكثافة السكانية المهولة.

وتخصيص المسلخ قصة ثالثة، فالحكومة تدعي أنها تضطر إلى الخصخصة لتحسين الخدمات، وعليها أن تبرهن ذلك. كما تصعب الثقة بالوعود، بدليل أن المشكلة الإسكانية لاتزال قائمة في البحرين، والقطاع الخاص يطالب أكثر من مرة ويؤكد أهمية إعطائه الفرصة، على رغم ذلك نجد القبضة الحديدية من قبل الحكومة على الملف الإسكاني، ولا حياة لمن تنادي. الأولى أن تخصص قطاع الإسكان وبالتالي السعي إلى حلحلة هذا الملف، وتعطي الأولوية للقطاع الخاص البحريني.

إلى الآن لم نجد مثالاً مطمئنا على الخصخصة لكي نسلم أمرنا إلى الله ونتكلم عن الفوائد والايجابيات، وما نراه حالياً ضرراً ما بعده ضرر، ولاسيما بالنسبة إلى العمال الذين يعملون في قطاعات ستخصص قريباً.

المشهد الأولي للخصخصة يعطينا انطباعاً بأن الحكومة (سامحها الله) تريد أن تتنصل من واجباتها ومسئولياتها، ضاربة مصلحة المواطن بالحائط، كل ما عليها أن تبحث عن القطاع وتسلمه إلى الأجنبي، وبالتالي تتعذر بالخصخصة التي أصبحت المفتاح السحري لتبرير الفشل. والحكومة تفسر الأمور كما يحلو لها طبعاً، بدليل أنه عندما تلجأ المعارضة إلى تنفيذ فعاليات سياسية تتعلق بالبحرين في الخارج تتهمها باللجوء إلى «الأجنبي» والارتماء في أحضانه، في حين أنها تأتي بالأجنبي في عقر دارها وتسلمه زمام الأمور، وتسمي ذلك بأسماء براقة، وتحت عناوين لامعة في محاولة للضحك على الذقون. وأكبر مثال خصخصة محطة الكهرباء والماء في الحد، ألا تعلم الحكومة أن الكهرباء والماء يمثلان عصب الحياة ولا يمكن أن نعيش حياة كريمة من دونهما؟ فكيف لها أن تفرط وتتنازل عن إدارة المحطة وتسلمها في يد الأجنبي، ألا يعد ذلك استعماراً من نوع آخر؟ أليس ذلك تنازلاً عن مسئولياتها واستخفافا بحقوق المواطنين؟

إن الناس لم تنس حتى الآن «الاثنين الأسود»، اليوم الذي انقطع فيه التيار الكهربائي عن جميع مناطق البحرين، وليس بمقدورهم أن يعيشوا أياماً كارثية أخرى، فكيف لها أن تتنازل عن محطة بأكملها؟ الوضع خطير وحساس جداً ولابد أن يدرس جيدا بمشاركة جميع الأطراف لا أن يتم اتخاذ القرارات في غرف مغلقة وفي تعتيم تام.

يتضح أن مؤيدي مشروع الخصخصة يلبسون نظارة من نوع خاص يرون من خلالها الايجابيات والفوائد ولا يرون سواها، فهم لا يرون صورة العوائل المهددة بالأمن والاستقرار، ولا يرون مدى بشاعة الامراض التي تنظر هؤلاء، حتى لو أعطوا 10 سنوات إضافية على سنوات خدمتهم، فهم لم يسعوا إلى ذلك ولا يعد ذلك كرم «حاتم الطائي»، فجميع مستحقاتهم ستذهب مع الريح، فلا أحد بيننا لا يعاني من القروض والديون والالتزامات المالية، وما يتبقى منها سيكون مذخوراً غير كاف لعلاج جراحاتهم الملتهبة، الذي يرى أن مقدار الـ 10 سنوات المعطى لهم إيجابية، فعليه أن يتبصر الأمور أولاً لأن الأمر إذا استمر على ما هو عليه لن يبقى هناك مجال للبحريني، وسندخل في دوامة بطالة لا يمكن تخيلها ولا يمكن استيعابها، إذ أصبحت البحرين بلداً مفتوحاً للقاصي والداني، وكأنها تخلو من الكوادر والموارد البشرية الوطنية.

لا يمكن أن نستوعب أن الحل الأمثل للفساد المالي والإداري المستشري في القطاع العام والخاص هو الخصخصة، هذه العصا السحرية، وإلا فإننا نقدم المؤسسة تلو المؤسسة إلى هذا المصير، لأنه لا تخلو مؤسسة فعليا من وجود الفساد، والحل العملي لذلك في إصدار قوانين وتشريعات تجرم الفساد، وليس الخصخصة بالضرورة.

وفي النهاية نستطيع التوصل إلى نتيجة مهمة، وهي أن إصرار الحكومة على المضي قدما في مشروع كهذا لأكبر دليل على أنها الرابح الأكبر من ورائه، وهذا ما عودتنا عليه للأسف الشديد

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1347 - الأحد 14 مايو 2006م الموافق 15 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً