في يوم الجمعة قبل الماضي... أي قبل تسعة أيام، حدث في خطبة الجمعة التي ألقاها خطيب في أحد الجوامع الكبيرة بمنطقة عسير في المملكة العربية السعودية أن أحضر الخطيب معه اللابتوب (الكمبيوتر المحمول) الخاص به ووضعه أمامه وفتحه، الخطيب كان قد كتب الخطبة التي سيلقيها على المصلين في جهاز اللابتوب، ومن ثم فهو قد نسي أو تأخر عن نسخ هذه الخطبة على الورق، ولذلك فقد أحضره معه وفتحه حتى يتمكن من قراءة خطبة الجمعة منه بدلاً من حفظها وإلقائها من دون ورقة...
المصلون الذين كانوا في المسجد شد انتباههم وجود اللابتوب أمام خطيب الجمعة، وأخذوا يركزون على هذه الظاهرة الجديدة بدلاً من تركيزهم على كلمات الخطبة نفسها... لذلك ارتأت السلطات الدينية المختصة هناك أن تقوم بوقف خطيب الجمعة عن عمله بسبب قيامه ببدعة جديدة لم يقم بها أحد قبله...
هذا الخبر تناقلته الصحف في الأسبوع الماضي، وأنا أحببت أن أسأل فيه عدداً من الشباب المتطورين فكرياً والملتزمين دينياً في الوقت نفسه... قطعت الورقة التي يوجد عليها الخبر من إحدى الصحف البحرينية، وأخذت القصاصة معي وتوجهت إلى شاب أعرف عنه تمسكه بالدين الإسلامي مع عدم تشدده وتطرفه، ومعقولية وتطور الفكر المستقبلي عنده ما يساعده في اتخاذ القرارات الجريئة والمقنعة...
الشاب هو محمد الحمر... وهو ابن الصديق إبراهيم الحمر... أعطيته قصاصة الورق التي عليها الخبر وطلبت منه قراءتها ومن ثم التعليق على ما جاء فيها... هو قرأ وقال: أنا أرى بأن السلطات تسرعت في اتخاذ القرار بتوقيف إمام وخطيب المسجد عن عمله، وأنا لا أرى فرقاً بين كتابة الخطبة على ورق أو كتابتها في لابتوب والقراءة منه، وإذا كان المصلون مندهشون اليوم فهم سيتعودون مستقبلاً...
في بداية ظهور الإسلام كان المؤذن يقف على سطح المسجد ليؤذن في الناس، وعندما زادت البيوت حول المسجد عملت المنارات للمساجد حتى يطلع عليها المؤذن ويكون في موقع هو فيه أرفع من البيوت التي حول المسجد ومن ثم يصل صوته إليهم عندما يدعوهم إلى الصلاة... لذلك كان المؤذنون يعانون في طلوع العتبات الكثيرة للوصول إلى قمة المنارة حتى يؤذنوا في الناس عند كل صلاة...
وعندما تم اختراع الميكروفون... وتم تثبيته في أعالي وحول منارات المساجد، أصبح في بداياته بدعة جديدة، ولكنه الآن موجود على جميع المنارات ولا يمكن الاستغاء عنه، كما وأنه بات من رابع المستحيلات الطلب من أي مؤذن لأي مسجد بأن يتعب نفسه ويطلع إلى أعلى المنارة عند كل صلاة لكي يؤذن في الناس... هو الآن مستريح داخل المسجد وينعم ببرودة التكييف في أيام الصيف الحارة، ودفء السخانات في عز الشتاء، وكل ما عليه عمله هو فقط الوقوف بجانب الميكروفون والأذان عند كل صلاة...
ما كان بدعة في الأمس أصبح اليوم من الضروريات والله وحده العالم بما يخبئه لنا يوم الغد... ومن المحتمل أن نرى في المستقبل بعض المساجد التي لديها تسجيل كامل للأذان فتستعيض بالمسجل بدلاً من المؤذن، وكل ما على إمام المسجد عمله هو أن يأتي في وقته للصلاة، وثم يدير المسجل في الوقت المخصص للأذان فينطلق الصوت العذب عبر الميكروفونات، وعندما يحضر المصلون يؤمهم الإمام في وقت الصلاة...
العالم يتطور، والذي خلق العالم هو الله عز وجل، ولا يمكن أن يكون هناك أي تطور من دون مشيئة الله، هو الخالق لكل ما هو موجود في العالم وهو الرازق للعقول التي تعمل وتفكر بمشيئة الرحمن الذي علم الإنسان... وعلى هذا الأساس فإن ما هو موجود من تطور لدينا ونعتبره بدعة عند استخدامه في المساجد ربما هو ليس كذلك ، واستخدام اللابتوب أو الكمبيوترات الثابتة لخطب يوم الجمعة هي آتية لا محالة...
في المساجد الكثيرة والمنتشرة في جميع الدول العربية والإسلامية، وكذلك الدول العالمية، يوجد العدد الكبير من المصلين الذين لا يعرفون اللغة العربية... وعند صلاة الجمعة فإن أعداداً كثيرة منهم لا تفهم لغة الخطبة لأنها لا تتكلمها، والخطبة تعتبر ركعتين من ركعات صلاة الظهر الأربع، وعدم فهم الخطبة يعتبر تقصيراً للصلاة... وأنا شخصياً أعتقد (لا أجزم، ولكني فقط أعتقد) بأن هناك حلولاً مستقبلية ستكون لهذه المشكلة..
إقرأ أيضا لـ "سلمان بن صقر آل خليفة"العدد 1346 - السبت 13 مايو 2006م الموافق 14 ربيع الثاني 1427هـ