لو كان الفقر رجلا لقتلته... تلك هي كلمة رجل السلام والمحبة والجمال، إمام الحكماء علي بن أبي طالب (ع) (صوت العدالة الانسانية). لماذا يفكر الامام علي في امتشاق الحسام لقتل الفقر؟ لأن الفاقة أم الجرائم، ولأن الفقر يقتل الابداع، ويذبح البراءة ويغتال الطفولة. حتى الحب بين الزوجين قد يتلاشى ويخرج من الشباك إذا ما طرق الفقر الباب.
في كل ليلة يودع الاب منصور أبناءه وبناته وهم يعزفون عزفا مرتلا على قيثارة الجوع في انتظار عودته من الخارج بشيء من اللقيمات يكتسبها من جمعه للعلب المعدنية المتناثرة على محيا القرية والمدن المجاورة، علها تسد رمق الجوع.
الكثير من أهل القرية ظلوا ولسنين من العمر يهمسون في آذان بعضهم: إلى متى سيبقى الشيخ الكبير على هذا الوضع المأسوي؟ أما آن للزمن أن يبتسم للصبية القابعين في عشه الصغير، في انتظار شروق فجر ينبئهم بزوال المحنة وانتهاء رحلة الحزن والمعاناة؟ يخرج والأطفال الصغار يرمقونه بنظرات مختلطة بالدمع، متسائلين: إلى متى نبقى على هذه الحال؟ اطفال مشغولون باللعب والطفولة الجميلة وآخرون مشغولون بالجوع والطفولة المعذبة؟ كيف نفرح بعيد ونحن نرى شبح الفقر يلسعنا كل صباح بسوط الجوع؟ أطفال يتلهون بأرجوحات الحدائق والمجمعات، وآخرون مشغولون بالبحث عن مستقبل تبتسم له اشراقة امل. كم هو منظر مؤلم أن ترى العين ابا في عمر الستين يتنقل من مكان الى مكان بحثا عن علب معدنية وفي ساعات متأخرة من الليل؟ لا أعلم أين هي وزارة الشئون الاجتماعية؟ أين هم بعض التجار الغارقين في الحياة؟ أين هو المجتمع؟ والسؤال الأكبر هو: أين هي الوزارة من هؤلاء الفقراء المعذبون والملقون على هوامش الحياة بلا أمان معيشي؟ الحاج منصور يعاني من المرض وعائلته تتكون من عشرة افراد، إضافة إلى ابنته الأرملة ذات الابناء اليتامى، التي هي الاخرى تعتمد على راتب هذا الشيخ العجوز، إذ يتقاضى راتبا تقاعديا مقداره 130 ديناراً، اضافة إلى ما يحصل عليه من بيع هذه العلب. جلست مع ابن الحاج وراح يتحدث عن أوجاع أسرتهم في هذا الزمن الذي غابت عنه الرحمة، وتلاشت فيه الرأفة. كان يقول: لا نريد شيئا فقط احصل على وظيفة فالفقر اضطرني أن اخرج من المدرسة لأساعد والدي. هذا العام أريد أن أكمل دراستي كي استعين على هذه الحياة ولكني احتاج الى عمل... سيد ما ذنب اخوتي واخواتي أن يدفعوا فاتورة الفقر طيلة عمرهم؟ ألا يحق لنا أن نتلقى مساعدة من وزارة الشئون الاجتماعية؟ صحيح أن والدي يحصل على راتب تقاعدي ولكني اسأل هنا سؤالا: هل 130 دينارا تكفي لاعالة أسرة من 10 أفراد؟ كان جعفر يتحدث والحزن يفطر قلبه حزنا ووجعا.
قبل ليلتين خرج الحاج منصور وكالعادة بحثا عن العلب المعدنية، لكنه من شدة التعب أصيب بنوبة قلبية سقط على اثرها مغشيا عليه، فسقطت العلب على الطريق متناثرة، لتكتب قصة أسرة بحرينية خلقت من جرح المعاناة، لتحكي عن قصة الجوع في هذا العالم.
كي ننقذ الاسرة لابد من مساعدتها بطريقتين: أولا بتوظيف ابنها جعفر كي يحمي الاسرة من التفكك بعد سقوط الاب. وأتمنى ممن يستطيع توظيفه إذ اضحى الأمل الاخير للاسرة، الاتصال على هاتفه: 39336792، والأمر الآخر هو محاولة تأهيل الأسرة ونتمنى من «التنمية» دعمها. يقع على عاتق الوزارة وكذلك المجتمع خلق آليات لدمج الشباب في المجتمع حتى لا يفقد الشباب الشعور العميق بالانتماء للمجتمع، وذلك عبر تحسين شروط الحياة. لكي نحد من الفقر نحتاج إلى عدة آليات: ترسيخ العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، إنشاء مشروعات انمائية اقتصادية تدمج فيها المجتمعات ذات الدخل المحدود، استيعاب أزمة قنبلة الانفجار السكاني
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1346 - السبت 13 مايو 2006م الموافق 14 ربيع الثاني 1427هـ