العدد 1346 - السبت 13 مايو 2006م الموافق 14 ربيع الثاني 1427هـ

قبل جفاف بوسعفة

معاذ المشاري muath.almishari [at] alwasatnews.com

المقابلة الأخيرة في ابريل/ نيسان الماضي بين عاهل البحرين جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وكل من وزير النفط علي النعيمي ووزير المالية بالمملكة العربية السعودية إبراهيم العساف، بحضور وفد وزاري بحريني بمعية السفير السعودي لدى البحرين عبدالله القويز. هذه الزيارة المهمة المتعلقة بأمور فنية تتعلق بحقل بوسعفة النفطي المشترك بين البلدين، لم تجد أصداء اعلامية تعكس أهميتها، وترسم الخطوط العريضة لأبعادها، سواء من خلال الإعلام السعودي أو البحريني، بما يوحي بوجود حلقة مفقودة وحقائق مغيبة في ذهنية المملكة الكبرى والمملكة الناشئة.

اذا تأملنا في شكل المقابلة، فقد تخلف عنها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، ولعل المانع خير، ولكن الأعراف الدبلوماسية تشير إلى ضرورة وجوده ضمن الوفد السعودي، وخصوصا أن الوزيرين قد حملا رسالة خاصة من العاهل السعودي إلى أخيه الأصغر في البحرين، فإن كانت الرسالة تتعلق بأمور فنية صغرى ذات علاقة بالحقل المشترك، فيكفي حينئذ لقاء يجمع وزراء الاختصاص في كلا البلدين، أما هذه الزيارة التي اقتصرت على نقل رسالة مهمة، وما رافقها من ديباجة إعلامية مملة تتعلق بنقل التحيات وتطوير العلاقات والإشادة الروتينية بعمق الصلات الأخوية، فذلك قد نصفه بطغيان الدبلوماسية على الواقعية، ومحاولة إلهاء الشعبين الشقيقين بقضايا جانبية لم يفلح وزيرا إعلام البلدين في إبرازها بشكل يرضي فضول شعوب المنطقة، ومدى اهتمامهم بمصير لم يكن لهم دور في ترتيب أوضاعه، ومعالجته بأساليب دستورية راقية. فالجارة الكبرى لديها مجلس شورى معين، والبحرين لديها مجلس تشريعي محدود الصلاحيات، فالمحصلة واحدة، ويبقى الرهان على جدية كلا الشعبين لصوغ منظومة وطنية صامدة أمام توجهات الأنظمة والمؤسسات التابعة لها للهيمنة على ما تبقى من ثروات شعوب المنطقة.

لعل التحليل الأهم والمغيب في رسالة خادم الحرمين أنه لم يخرج عن ثلاث نقاط مهمة حسب تصورنا الشخصي، فالنقطة الأولى تتعلق بكمية الإنتاج في الحقل النفطي، والثانية تدور حول حصص البلدين، والثالثة تحدد الاحتياطي النفطي للحقل الصغير وفقاً للقدرة الإنتاجية. ونحن في البحرين، نجد أن من الضرورة أن نركز على أبعاد النقاط الثلاث، ومدى تأثيرها على الوضع الاستراتيجي للدولة وعلاقتها المباشرة بدفع عجلة التنمية أو التأثير عليها باتجاه التراجع والركود الاقتصادي. فبالنسبة إلى كمية الإنتاج، فتحديدها مرتبط نظرياً وبشكل إجمالي بالصادرات النفطية للسعودية وعلاقتها بسياستها العامة، ومن زاوية فنية فكمية الإنتاج في حقل بوسعفة تعتمد أساساً على القدرة الإنتاجية للحقل، إضافة إلى اعتبارات ثانوية يحتكر وصفها صناع القرار في كلا البلدين، فالحقل لا يمثل ثروة كبرى ضمن المخزون النفطي السعودي، في حين أنه الشريان الرئيسي لتماسك الاقتصاد البحريني، ومن دونه ستواجه البحرين تحديات عدة على المستويين الداخلي والخارجي، وهو ما يدعونا إلى ضرورة التأمل والتفكير ملياً في المحافظة على هذه الثروة واستثمارها بشكل فاعل لصالح الأجيال القادمة. فالظروف الحالية لأسواق النفط العالمية وعلاقتها بالمتغيرات السياسية والاقتصادية في المنطقة، وتبادل التهديدات المتكررة بين كل من أميركا وإيران و«إسرائيل»، وما قد يتبع ذلك من مفاجآت محلية واقليمية، هذه الظروف قد تؤدي إلى استقرار مؤقت أو ارتفاع الطلب العالمي لنفط الخليج، فاستقرار أسعار النفط أو ارتفاعها وفقاً للأسعار الحالية الفلكية قد يحتم على دول الخليج عموماً والبحرين خصوصاً التفكير في خفض الإنتاج لإطالة الأعمار الافتراضية لحقول النفط، ومنح الأجيال القادمة فرصة كبرى لاستثمار الثروات الطبيعية مع نمو المؤسسات الديمقراطية واعتماد الشعوب كمصادر أصيلة للتشريع وتوجيه السلطات.

لقد تم اكتشاف حقل بوسعفة في العام 1963، واتفقت السلطات السعودية والبحرينية بعد عامين من اكتشافه على اقتسام العوائد النفطية للحقل بعد التزام البلدين بدفع كلف الإنتاج والتسويق، وينتج الحقل حالياً 300 ألف برميل يومياً بعد تطوير الحقل بكلفة بلغت 1,2 مليار دولار أميركي دفعت مملكة البحرين نصفها، فالاتفاق على حصص البلدين في ظل الشراكة الاقتصادية والتفاهم الأخوي، واقتسام العوائد النفطية وما يترتب عليها من كلف الإنتاج والتسويق، جميع ذلك يصب في خانة الاستقرار الاقتصادي وعدم ابتزاز أحد الطرفين بقرارات فوقية تجتاح سيادة الطرف الآخر.

من جانب آخر، ذكرت الهيئة الوطنية للنفط والغاز في البحرين على أن العمر الافتراضي لحقل بوسعفة يقدر بـ 56 عاماً بحسب دراسات تقديرية، أي أن نضوب النفط في البحرين سيكون تقريباً في العام 2062م، إذا اعتمدنا العام 2006 بداية لتضاؤل العمر الافتراضي، ولا نستطيع الاعتماد على تلك التقديرات سواء كانت عن طريق الهيئة أو حتى شركة أرامكو التي قامت بتوسعة الحقل، بل يتطلب الأمر اللجوء الى شركات نفطية محايدة لتحديد العمر الافتراضي الحقيقي للحقل، ومكاشفة شعب البحرين بحجم المخزون النفطي، والإعداد المبكر لخطط استراتيجية بعيدة المدى لتعويض الثروة النفطية ببدائل استثمارية صحيحة تحقق للبحرين الاكتفاء الذاتي من الطاقة والغذاء، وتمكنها من مواصلة التنمية في مشروعات الصحة والإسكان والتعليم، وكبح جماح الفقر والبطالة وتدني مستوى الأجور والتوزيع غير العادل للثروة، في ظل غياب قانون حماية الأموال العامة، ورفض الحكومة لإنشاء وزارة للتخطيط، أو حتى هيئة مستقلة بإشراف مؤسسات المجتمع المدني، نقول ذلك قبل فوات الأوان، عندما تتحقق الديمقراطية في دولة مفلسة

إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"

العدد 1346 - السبت 13 مايو 2006م الموافق 14 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً