أكثر من مرة استبعدت القيادة السياسية الإيرانية احتمال لجوء الولايات المتحدة إلى استخدام القوة العسكرية لحسم مسألة الخلاف على تخصيب اليورانيوم للاغراض السلمية.
فكرة استبعاد سيناريو الحرب وردت في أكثر من صيغة. أحياناً تقول قيادة إيران السياسية إنها «مزحة» و«غير منطقية» و«غير معقولة». وأحياناً تقول إنها «صعبة» و«مكلفة» و«تداعياتها خطيرة». وأحياناً تردد أن الكلام عن احتمال توجيه ضربة يقصد منه «التخويف» أو «الارباك» أو «الإرهاب النفسي» وبالتالي الضغط المعنوي لانتزاع تنازلات ليست واردة لا الآن ولا في المستقبل.
مقابل فكرة استبعاد وقوع الحرب من جانب إيران هناك تصريحات اطلقت من جانب واشنطن لم تستبعد فكرة الحرب. وورد الكلام الأميركي في أكثر من صيغة أيضاً. أحياناً تقول الإدارة إن الخيار الدبلوماسي هو «الأهم». وأحياناً تقول إن الحرب غير واردة الآن ولكنها غير مستبعدة كلياً. وأحياناً تقول إن احتمال استخدام القوة يمكن أن يحصل إذا فشلت المفاوضات أو ما تسميه الحوافز أو الإجراءات التشجيعية.
هناك إذاً أكثر من قراءة للمواقف. وضمن تعدد القراءات يمكن رصد مجموعة سيناريوهات منها ذاك الذي ذكره الصحافي سايمون هيرش في مجلة «نيويوركر» قبل شهر حين نقل عن مصادر مطلعة (رفض ذكر اسمها) أن الحرب واردة وقد تستخدم فيها قنابل نووية صغيرة (تكتيكية) لضرب الملاجئ تحت الأرض.
هيرش لم يستبعد الحرب بناء على مصادره القوية ولكنه رجح وقوعها في العام 2007 أي بعد عقد دورة الانتخابات النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
كلام هيرش، الذي لم يستنكره متحدث باسم البيت الأبيض، ليس الأول من نوعه في هذا الاتجاه. فقد سبقته صحيفة «صاندي تايمز» البريطانية حين اشارت إلى سيناريو ضربات جوية كثيفة رجحت أن تؤدي إلى مقتل عشرة آلاف إيراني في اليوم الأول من وقوعها. وهذا الكلام لم تستبعده أو ترفضه أو ترد عليه مصادر البيت الأبيض.
واشنطن تكتفي بالصمت أو بالرد الغامض وأحياناً لا تستبعد الضربة العسكرية ولكنها تفضل أن تحسم المسألة دبلوماسياً.
طهران في المقابل تميل إلى استبعاد حصول الضربة وأحياناً ترى أن الكلام عن سيناريو حرب يقصد منه التخويف والابتزاز. فهناك ما يشبه القناعة عند قيادة إيران السياسية بأن الحرب صعبة وشبه مستحيلة. وهذا النوع من الاطمئنان (المبالغ فيه أحياناً) يزيد من صعوبات القراءة البعيدة أو المحايدة. فهل من المعقول أن تكون قيادة سياسية مقتنعة إلى هذا الحد بقوتها كذلك مطمئنة إلى ضعف الولايات المتحدة إلى هذا الحد أيضاً؟
السؤال من الصعب تقديم رد عليه بناء على معلومات. ولكن يمكن اعطاء تفسير يستند إلى تحليل يراهن على تلك الصعوبات التي تواجهها قوات الاحتلال في العراق، أو مخاوف عند واشنطن من احتمال انفلاش الحرب وامتدادها على مساحات تتجاوز الحدود التي رسمتها «البنتاغون» للمعركة.
الاجابة الواضحة أو القاطعة في تحديد مجرى السيناريو المقبل تبدو صعبة ولكنها ليست غامضة. فاحتمال الحرب من السيناريوهات المطروحة بقوة وربما في فترة زمنية تسبق الانتخابات النصفية الأميركية.
هيرش ذكر في مقاله أن الضربة العسكرية ستحصل في العام 2007، ولكن هناك من يرجح أن تحصل في العام 2006 وقبل الانتخابات... لأن جورج بوش يريد توظيفها في حسابات داخلية فاذا تأخرت فقدت زخمها السياسي وقوتها التعطيلية في مواجهة خصمه الحزب الديمقراطي.
هذا الكلام أيضاً ليس مؤكداً فهو يعتمد على الترجيح التحليلي وليس المعلومات الدقيقة. وفي المناسبة، لا توجد عند الصحافيين والمتابعين والمراقبين معلومات دقيقة. فكل ما كتب عن الموضوع مجرد تسريبات ليس بالضرورة أن تكون صادقة وليس بالضرورة أيضاً أن تكون كاذبة. وهذا أيضاً يزيد من صعوبات القراءة وترجيح كفة هذا السيناريو أو ذاك
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1346 - السبت 13 مايو 2006م الموافق 14 ربيع الثاني 1427هـ