كي نبدأ التنمية الذهبية يجب أن نبدأ بتجريف كل غابات الفقر المنتشرة على الخريطة الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية، وتجفيف كل ينابيعه. قديماً قيل: الفاقة أم الجرائم. وهذه حقيقة. الفقير سرعان ما يسيس، والفقير أرض خصبة للاختطاف نحو العنف والتعصب .لهذا ليس غريباً ان يكون غالبية انتحاريي الدار البيضاء الذين قاموا بالارهاب جاءوا من مدن الصفيح. للامعان في قراءة التكوين النفسي لعقلية ونفسية الفقير أرجو قراءة كتابين لعالم سيكولوجي ضليع هو مصطفى حجازي. وهما: «سيكولوجية الانسان المقهور» وكتاب «الانسان المهدور» الناشر: المركز الثقافي العربي.
حتى لا ندخل في عملية جلد الذات نطرح سؤالاً مهمَّا: أين يكمن الحل؟ الحل هو طعن الفقر في الخاصرة، وذلك بتأسيس مشروع استراتيجي تنموي اقتصادي توازيه مشروعات تعليمية لتصحيح التعليم الديني والتعليم المدني، مع ترسيخ إرادة جدية لمحاربة الفساد، إضافة الى ذلك، العمل على تحديد النسل كما فعلت تونس، إذ بات السلاح الخطير الذي يهدد العالم هو وجود قنبلة الانفجار السكاني. يقول الامام علي (ع): «قلة الابناء احد اليسارين». اليهود هم أكثر كفاءة في ذلك إذ اعتمدوا خيارا تربويا مهما اثبتت كل الدراسات العلمية صحته: (ثلاثة ابناء ناجحين ومتميزين خير من عشرة فاشلين). في ايران كان يردد الناس والاعلام عبارة جميلة: «بسر كمتر زندكي بهتر»، (اولاد اقل حياة افضل). في العالم الغربي انشئت جمعيات الاحسان للفقراء منذ القرن التاسع عشر، وقد اخذت على عاتقها تخفيف وطأة الفقر، واستمرت حتى انشئت دولة الرفاهية بعد الحرب العالمية الثانية. وإلى يومنا هم يشتغلون على إزالة الفقر.
يذكر فهمي هويدي في كتابه «مصر تريد حلا»: ان «هناك مصريين يبيتون في المقابر... انه منظر مؤلم يعكس فشل أنظمتنا القومية والثورية في تأسيس دولة الرفاهية، علماً بأن مصر واليابان بدأتا النهضة في فترة زمنية واحدة، لذلك نجد الكثيرين من دعاة الدولة المدنية مازالوا يبكون على الدولة الحديثة التي دعا إليها محمد علي في مصر».
في تونس تم تأسيس «الصندوق القومي للتضامن» في مطلع التسعينات، وذلك من اجل القضاء على الفقر، وكان موازيا لقانون تحديد النسل. واستطاعت تونس ان تستوعب جزءاً من الظاهرة.
اذا نجح الاقتصاد وقل الفساد ينجح المجتمع والدولة، وان كان هناك تلكؤ سياسي. هناك مثال حي لذلك سنغافورة وماليزيا فهما ركزتا على الاصلاح الاقتصادي ولم ينفعلا كثيرا بالديمقراطية السياسية، ولو أنهما ركزتا على الاثنين لاصبحا أفضل حالاً. عندما ذهبت الى ماليزيا قال لي بعض المثقفين هناك: ان من مناقب مهاتير محمد خطته الوطنية في دمج المسلمين الماليزيين في التجارة وأصدر قرارات لإدماجهم مع الصينيين الذين أكلوا السوق بشكل لافت. في البحرين نحن بحاجة الى قرارات تحد من سيطرة الاسيويين على سوق الذهب، واخواننا الخليجيين من سوق العقارات، فالبحرين تمتاز بمساحة صغيرة والمواطن اصبح يعيش كابوسا اسمه استحالة شراء أرض. العولمة الاقتصادية يجب ألا تكون على حساب المواطن، ولابد من قوانين تحمي المواطن من جنونية الأسعار، بل وتشركه في التنمية الاقتصادية، ولعل البحرين هي اقل دولة في فرض ضرائب على القطاع الخاص تصب لصالح دعم المشروعات الاجتماعية والانسانية. نحن في البحرين بحاجة الى انشاء صندوق قومي تشارك فيه الحكومة والقطاع الخاص لدعم الفقراء في المجتمع، وتتفرع عنه لجان لتعليم الموهوبين من هذه الطبقة، وايضاً لجنة لبناء الوحدات السكنية، طبعاً شريطة ان يكون مصفحا ضد التسريب والاهمال والفساد كي لا نقع في اشكال هيئتي التأمينات والتقاعد، ويعود صابر ليقول: «ضاعت فلوسك يا صابر». قبل يومين سقط مواطن عمره 60 عاما اثر نوبة قلبية وهو يجمع علباً معدنية للاسترزاق.
كي يتحسن وضعنا في البحرين سياسيا واقتصاديا لابد مع موازاة القضاء على الفقر العمل على اصلاحات مهمة، منها: ادماج المرأة في التنمية، تحسين الصورة وبناء جسور الثقة بين كل القوى مثالا: دخول الطائفتين الكريمتين في قوائم انتخابية مشتركة مع الابتعاد عن الدكاكين الطائفية. تشجيع الدولة على اي انجاز خدماتي مع نقد أي اجراء يمس الاصلاح السياسي أو الاقتصادي. وللحديث بقية
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 1345 - الجمعة 12 مايو 2006م الموافق 13 ربيع الثاني 1427هـ