العدد 1345 - الجمعة 12 مايو 2006م الموافق 13 ربيع الثاني 1427هـ

«المنازلة» بالحوار بين واشنطن وطهران

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

«مستعدون للحوار مع أي إنسان». هذه هي فحوى رسالة أحمدي نجاد الى العالم عبر بوابة جورج بوش.

وهو ما لخصه الرئيس الإيراني نفسه في حوار له مع التلفزيون الإندونيسي بعد أيام من الكشف عن مضمون رسالته الخطية إلى الرئيس الأميركي.

بدوره فإن الأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى حسن روحاني أكد في رسالة تم نشرها له في مجلة «التايم» الأميركية بعد أيام من الإعلان عن رسالة أحمدي نجاد إلى جورج بوش، أمرين مهمين:

1- إن إيران ستكون مستعدة في إطار مجموعة من الشروط التوافقية المتبادلة بينها وبين مجموعة المجتمع الدولي المعنية القبول بان يخضع برنامجها النووي إلى اشراف دولي في إطار «كونسورسيوم» عالمي من الشركات المتعددة يضمن «مدنية» البرنامج النووي الإيراني وعدم انحرافه عسكرياً!

2- إن إيران ولأسباب تاريخية واقتصادية ينبغي ان تكون مفهومة ومقبولة من جانب المجتمع الدولي مصرة على أن تكون لها القدرة على «الإنتاج المحلي» للوقود النووي.

وإذا كان الجانب الاقتصادي مفهوماً كما يفترض خصوصاً بعد تجربة قطع الغاز الروسي عن أوكرانيا وجزء من أوروبا في لحظة شتاء قارص ومضاعفة أسعار البيع تحت ضغط الحاجة الماسة وانعدام تأمين البديل «المحلي» أو المستقل عن معادلة موازين القوى الدولية إلا أن الجانب التاريخي الذي يشير اليه روحاني يحتاج إلى بعض التوضيح الضروري.

فالعارفون بخصائص وسمات حركة التحرر الإيرانية المعاصرة يتوقفون طويلاً عند هذه النقطة ويسجلون ما يأتي: ان في ذاكرة كل مواطن إيراني هاجس عودة تدخل الأجنبي في صناعة قراره الوطني في أية لحظة، واحتمال دخوله من الشباك أو الباب الخلفي أو الخفي كلما أخرج من الباب العلني والرئيسي! وهذا الهاجس لا يختصر بالجانب الاستعماري الغربي المعروف. بل أنه قد لا يقل أهمية وخطورة حتى عندما يتعلق الأمر بالأجنبي (الشرقي) منذ أيام القياصرة الروس مروراً بالامبراطوريين (الحمر) وصولاً إلى «الاباطرة» الجدد!

إنه هاجس «عدم الثقة» بكل ما يمكن أن يفضي بشكل من الاشكال إلى تعريض القرار الوطني المستقل للاهتزاز. سواء جاء ذلك عن طريق الارتباط التنظيمي الحزبي لبعض المجموعات أو الطبقات الاجتماعية الممثلة باحزاب تابعة لارادة من خارج الحدود. أو جاء ذلك من «ورود» ايديولوجيات أو مذاهب فكرية أو سياسية ليست «عجينة» مع مقولة الوطنية الإيرانية أو «القومية» بمعنى الانتماء والهوية الذاتية.

والتجارب التاريخية في هذا السياق كثيرة وابلغها ربما تجربتا «المشروطة» في بداية القرن الماضي وتأميم النفط في منتصفه.

من هنا يأتي هذا الاصرار الإيراني المبكر على ما يمكن تسميته بضرورة ضمان «تأميم الطاقة النووية» حتى قبل وصول المشروع إلى نقطة الإنتاج ولحظة الانطلاق الحقيقية والعملية.

فالاتحاد السوفياتي (لينين) باع ثورة المشروطة التحررية في لحظة تاريخية حاسمة لصالح علاقة هشة وكاذبة ومزيفة مع «وطنية» مزورة مطبوخة في انجلترا أو مدعومة منها في إطار صفقة انجليزية - سوفياتية تؤمن مصالح الدولتين الكبريين آنذاك على حساب القرار الوطني الإيراني الحقيقي.

والولايات المتحدة الأميركية «مبادئ فيلسون» باعت ثورة مصدق الوطنية في سوق النخاسة الدولية في لحظة غفلة من الشارع الوطني الإيراني المضطرب والمشتبك والمفرق الصفوف في منتصف القرن الماضي، لصالح استعادة صديق خائب وخائر القوى ضعيف البنيان ومنقطع الجذور لا هم له الا الموازنة الدائمة بين فريقي الحكم في أميركا بما يؤمن مصالحه الشخصية والعائلية ومصالح سيده في واشنطن أياً كانت النتائج الكارثية لقراراته على المستوى الوطني.

اما اليوم فإن هم الحاكم في إيران اياً كان اسمه أو انتماؤه الحزبي أو السياسي مادام يعمل في إطار ثورة 1979م الوطنية الدينية هو أن يبقى القرار أياً كانت تبريراته أو حساباته أو مجموع الظروف المحيطة باتخاذه، المهم ان يبقى في طهران وان يكون نابعاً من ارادة إيرانية قادرة على تسويقه شعبياً ووطنياً ودينياً أي ان يحظى بالمقبولية والمشروعية لدى الناس ووجهاء القوم وإلا تمت الاطاحة بهذا الحاكم مهما بدا قوياً أو مدعوماً بالأرقام أو بالاسماء!

في لحظة حكم أحمدي نجاد «التاريخية» الراهنة ثمة «تطابق» على ما يبدو بين «الشارع» وهو الاصطلاح العصري المتداول لما يعرف بالرأي العام وبين «المشرّع» وهو الاصطلاح الذي يرمز للمشروعية الدينية عموماً، بما يعطي الزخم والقوة الكافيين لإجراء حوار مفتوح مع كل القوى الحاملة للهاجس التاريخي المشار اليه اعلاه من دون خوف أو وجل أو قلق من «التخوين» أو بيع القرار الوطني!

لذلك تبدو خطوة أحمدي نجاد الرمزية «الحوارية» أياً كانت نوازعها أو ادلتها أو تبريراتها أو أهدافها انما هي تهدف عملياً إلى شق طريق الحلول العملية لتأمين مصالح إيران الوطنية العليا والبداية تكون مع كسر ذلك «المحرم» المهم أن الرسالة كتبت معنونة إلى «الشيطان الأكبر» من قبل من كانوا يحرمون الحوار معه!

تصوروا فقط وعلى سبيل المزحة والنكته طبعاً كما ورد في الأيام الأخيرة في رسائل الـ (سحس) الإيرانية هنا بان جورج بوش «اسلم» فعلاً أو طلب من أحمدي نجاد أن يوقظه في الصباح الباكر للصلاة! فماذا كان سيحصل؟! وما هي خطوة المحافظين الإيرانيين الجدد التالية تجاه المحافظين الأميركيين الجدد؟!

اليست هي «يوم القيامة» التي سبق ان اشرنا إليها في مقالات سابقة!

إذا كان من حق فوكوياما ان يحلم «بنهاية التاريخ» لصالح أميركا المنتصرة لصالح الديمقراطية والحرية.

وإذا كان من حق رواد حركة التحرر الإيرانية من طائفة المحافظين الإيرانيين الجدد ان يحلموا بنهاية عصر الليبرالية وربيبتهم المدللة «إسرائيل» لصالح العدالة العالمية. فإن من حق جياع العالم وفقرائه ان يحلموا بنهاية عصر الحروب والنزاعات المدمرة لصالح صوت العقل والحوار طريقاً وحيداً لحل الخلافات وتعدد المصالح وتنوعها. أليس كذلك؟

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1345 - الجمعة 12 مايو 2006م الموافق 13 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً