العدد 1345 - الجمعة 12 مايو 2006م الموافق 13 ربيع الثاني 1427هـ

بوتين... والذئب الأميركي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت معالم «الحرب الباردة» الثانية ترتسم خطوطها العريضة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية. فالانتقادات التي أطلقها نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ضد موسكو متهماً إياها بالفساد وإساءة استخدام الديمقراطية واستغلال المداخيل النفطية باتجاه توظيفها في المؤسسة العسكرية لم تمر من دون رد روسي. فالرئيس فلاديمير بوتين وصف السياسة الأميركية بالذئب «الذي لا يسمع أحداً» حين تتعرض مصالحه للخطر. ورد بوتين على تهمة «العسكرة» بالإشارة إلى ان موازنة أميركا العسكرية تعادل 25 ضعف الموازنة الروسية. ودعا بوتين في خطابه الدفاعي إلى تجنب الضربة العسكرية لإيران محذراً من أن استخدام القوة «نادراً ما يعطي النتيجة المطلوبة».

هذا التصعيد المتبادل يعطي فكرة عن المدى الذي وصلت إليه علاقات الدولتين الكبريين. فالولايات المتحدة تحاول قدر الإمكان ابتزاز موسكو واستغلال حاجتها إلى الانفتاح والمشاركة في اتفاقات التجارة الحرة. وروسيا ترفض تلك الضغوط السياسية مقابل مقايضة تتم على حساب مصالحها وأمنها ومكانتها الدولية.

هذا الاختلاف الروسي - الأميركي على تصور مستقبل العلاقات الدولية يكشف إلى حد معين عدم توصل الفرقاء إلى تفاهمات مشتركة بالنسبة إلى ما يسمى الملف النووي الإيراني. فالقوى الدولية التي التقت على مأدبة عشاء للبحث في مصير الملف فشلت في التوافق على قراءة واحدة لجوانب المسألة. الصين مثلاً أشارت إلى وجود ثغرات في مشروع القرار الفرنسي - البريطاني وحددت خمس نقاط لاتزال محور بحث وبحاجة إلى مزيد من البلورة وخصوصاً تلك المتعلقة بالعقوبات والحصار المالي وغيرها من خطوط تتصل بخطورة الاعتماد على «الفصل السابع». فهذا «الفصل» يعني إعطاء إشارة خضراء للتصعيد وصولاً إلى استخدام القوة العسكرية. وهذا لا توافق عليه بكين نظراً إلى خطورته وتداعياته الإقليمية والدولية. مقابل هذا الموقف الصيني - الروسي تبدو الولايات المتحدة متأرجحة بين خيار الحل الدبلوماسي بصفته «الخيار الأهم» وبين خيارات أخرى مفتوحة على احتمالات تتراوح بين «الحوافز» أو العقوبات. وهذا ما أشارت إليه وزيرة الخارجية كوندليزا رايس حين وضعت الملف الإيراني بين خطين: الأول يتجه نحو التصعيد والثاني يتجه نحو احتمال التسوية.

رايس في كلامها أشارت إلى ما وصفته بالانتظار «بضعة أسابيع» قبل السعي إلى التحرك في الأمم المتحدة، وكذلك لمحت إلى وجود حوافز جديدة ستعرض على طهران مقابل تخليها عن برنامجها النووي.

مسألة الحوافز رحب بها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، كذلك تجاوب معها مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي. وعلقت طهران من جانبها على المسألة بالقول إنها «تقبل بالتفاوض بشأن الإجراءات التشجيعية التي سيقترحها الأوروبيون قريباً».

هناك حوافز إذاً أو «إجراءات تشجيعية» ستدرسها الدول الدائمة العضوية وألمانيا في اجتماع سيعقد في لندن في 19 مايو/ أيار الجاري، ويرجح ان تقدم إلى إيران بموافقة صينية - روسية مقابل مجموعة من العقوبات ستفرض على طهران إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق معها.

فكرة العقوبات لم تتخطها الولايات المتحدة أيضاً. أي ان واشنطن لاتزال تخطط باتجاه إعادة رفع الملف إلى مجلس الأمن في حال فشلت المفاوضات ورفضت إيران «الحوافز». وبانتظار الإجراءات التشجيعية التي ستتضح معالمها في نهاية الأسبوع المقبل تبدو خطوط «الحرب الباردة» الثانية بدأت بالارتسام بعد التراشق الإعلامي - الكلامي الذي ظهر على شاشات المسرح الدولي بين تشيني وبوتين.

المسألة إذاً أصبحت دقيقة والصراع بين العودة إلى خطوط «الحرب الباردة» في ضوء تسخين الملف النووي الإيراني وبين التوصل إلى تسوية عادلة تعطي لطهران الحق في استكمال برنامجها لإنتاج الطاقة السلمية وصل إلى نهاياته. فالعالم الآن والمنطقة العربية - الإسلامية في وسطه ينتظر الكثير. والكثير يتراوح بين عقوبات يفرضها «الذئب» وحوافز يعرضها «الذئب». وبين سياسة «الذئبين» تحاول روسيا بدعم من الصين وتفهم من الأمم المتحدة التوصل إلى تسوية لا تقتل الذئب ولا تفني الغنم

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1345 - الجمعة 12 مايو 2006م الموافق 13 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً