العدد 1344 - الخميس 11 مايو 2006م الموافق 12 ربيع الثاني 1427هـ

العمالة الأجنبية... ما لها وما عليها

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يكثر الجدل حول واقع العمالة الوافدة، وخصوصاً غير العربية منها، في دول مجلس التعاون الخليجي، فبينما يتعاطف معها البعض من أمثال مراسلي هيئة الإذاعة البريطانية حين يصفون الحالة «غير الإنسانية» التي يعيشها هؤلاء الوافدون، ويعتبرونها منافية للمواثيق والقوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، نرى من جانب آخر بعض المحللين الاقتصاديين من أبناء الخليج وكذلك إدارات ومراكز البحوث التابعة لمؤسسات دول مجلس التعاون تحذر من سلبيات وجود هذه العمالة الوافدة وخطورة سلوكها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على دول المجلس.

ففي مطلع هذا الشهر، جاء في تقرير مفصل نشره موقع هيئة الإذاعة البريطانية عن واقع العمالة الأجنبية في إمارة دبي بعث به مراسلها هناك تيم مانسيل، سلط فيه الأضواء على واقع تلك العمالة، قائلا «دبي هي مدينة الأبراج... أبراج شيدت للتفاخر والمباهاة، مبنية من الزجاج و الفولاذ تشمخ إلى علو يصل إلى 40 أو حتى 160 طابقاً. تنتظم أبراج دبي الشاهقة في صفوف طويلة على امتداد الطرق الرئيسية السريعة في المدينة. ويكون البناء البرجي عادة متكاملا بحد ذاته إذ يجهز كل منها بمهبط للطائرات ومسبح على سطح المبنى».

مقابل ذلك، يلفت تيم مانسيل إلى أن هذه المدينة التي بنيت من لاشيء تقريبا، «إذ لم يكن هناك منذ نحو 20 سنة خلت إلا القليل من تلك الأبراج المضاءة. والرجال الذين بنوها هم غالبا مهاجرون من الهند وباكستان وبنغلادش ونيبال. يعمل العامل لقاء أجر يومي يصل إلى حدود الخمسة دولارات أميركية. ويسكن أربعة أو خمسة من هؤلاء العمال في غرفة واحدة. كما يتسنى للعامل رؤية أسرته مرة واحدة كل سنتين أو ثلاث سنوات لأنه يصعب عليه تأمين مصروفات الرحلة إلى بلاده».

ويمضي ميتسل في وصف حال العمال ناقلا على لسان أحدهم «يتقاضى واحدنا مبلغ 600 درهم (160 دولاراً أميركياً) في الشهر. وهم يخصمون من الراتب أيضا مبلغ 200 درهما ثمن الطعام، كما ننفق مبلغ 100 درهم شهريا لتسديد فواتير الهاتف للاتصال بذوينا في بلداننا... من المحال أن نوافر أي شيء في هذه البلاد».

قبل ذلك بنحو شهر نشر مراسل آخر من هيئة الإذاعة البريطانية هو خليل عثمان تقريرا مماثلا تحدث فيه عن أعمال الشغب التي قام بها في دبي عمال آسيويون، سلط فيه الضوء على الظروف المعيشية القاسية التي يعيش في ظلها مئات الآلاف من العمال الآسيويين من ذوي الأجور المتدنية.

في السياق ذاته، أثار جيمس زغبي رئيس «المؤسسة العربية الأميركية»، على هامش مؤتمر المنظمات غير الحكومية الذي انعقد في المنامة في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 زوبعة عندما وصف العمال الأجانب في دول الخليج العربي بأنهم «قنبلة موقوتة» يمكن أن تنفجر في أي وقت محدثة فوضى واضطرابات شبيهة بما حدث في بعض المدن الفرنسية، مشيرا إلى أن ملايين العمال الأجانب يتعرضون لسوء المعاملة والظلم في بعض دول الخليج وذلك يشكل قنبلة موقوتة قد تؤدي إلى أعمال عنف على غرار تلك التي تشهدها فرنسا، مضيفا في هذه المنطقة (الخليج العربي) يعيش عمال فلسطينيون أو عرب أو من جنوب آسيا في ظروف فضيعة، وطالب جيمس زغبي المسئولين في المنطقة أن يبذلوا جهودا أكبر، للاعتراف بالعمالة وبحقوقهم والدفاع عنهم.

من جانب آخر، ووفقا لآخر دراسة «2004»، أعدتها إدارة الدراسات والتكامل الاقتصادي في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بعنوان «تحويلات العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون - محدداتها وآثارها الاقتصادية» فقد بلغ حجم تحويلات الأجانب بالنسبة إلى دول المجلس الست مجتمعة، نحو 27 مليار دولار سنوياً، وتمثل المملكة العربية السعودية، أكثر من 60 في المئة من حجم هذه التحويلات، أو ما يعادل نحو 16 مليار دولار سنوياً، في حين تمثل تحويلات العاملين في دولة الإمارات العربية المتحدة نسبة 16 في المئة من الإجمالي، أو 4 مليارات دولار سنوياً، بينما يتوزع الباقي بنحو 7 مليارات دولار سنوياً على دول المجلس الأخرى.

والخطورة هنا ليست في ضخامة حجم التحويلات السنوية للعمالة الأجنبية فحسب، ولكنها تكمن أيضاً، في ظاهرة الارتفاع الملحوظ في حجم هذا النوع من التحويلات وتناميها على نحو مطرد عاماً بعد عام. ذلك أنه وفقا لتلك الدراسة أيضا فإن تحويلات العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الست، سجلت ارتفاعاً ملحوظاً خلال الفترة (1975 - 2002)، من نحو 1,6 مليار دولار في العام 1975، إلى نحو 27 مليار دولار في العام 2002، وارتفع حجم هذه التحويلات كنسبة أيضاً من الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس من 2 في المئة إلى 8 في المئة للفترة نفسها، هذا وقد بلغ مجموع تحويلات العمال الأجانب من دول المجلس خلال الفترة نفسها أكثر من 413 مليار دولار من دول المجلس الست، موزعة بين المملكة العربية السعودية بنحو 260 مليار دولار، الإمارات بنحو 65 مليار دولار، الكويت بنحو 29 مليار دولار، عُمان بنحو 26 مليار دولار، قطر بنحو 23 مليار دولار، وأخيراً البحرين بنحو 11 مليار دولار.

أما التقرير الذي أعدته إدارة التخطيط والتنمية بالأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي فيحذر من تدني التحصيل العلمي لتلك العمالة، ويمضي التقرير محذرا من ارتفاع معدلات الأمية في أوساط العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي، التي باتت تصل إلى نسبة 40 في المئة، معتبرا أن السياسات المتبعة من قبل الدول الأعضاء لتقليص العمالة الوافدة غير مجدية. وأكد التقرير أن الآليات التي اتبعتها الدول الأعضاء في المجلس لوضع قيود على استقدام العمالة في المهن التي يمكن أن يقوم بها المواطنون مازالت غامضة بعض الشيء، وتفتقر إلى معايير كمية، فضلا عن أن الواقع يعكس غير ذلك، إذ تتزايد العمالة سنويا في مختلف القطاعات.

ويلفت التقرير النظر إلى أنه «طالما أن السياسات المتعلقة بتقلص العمالة الأجنبية غير فعالة، فمن المستحسن فتح مجالات الاستثمار للعاملين الأجانب، وخصوصا في أسواق الأسهم، وتملك العقارات وبيعها، والتصرف فيها للاستفادة من مضاعفة الاستثمار المتولدة عن استثمار جزء من تحويلات هذه العمالة التي قدرت بنحو 25 مليار دولار في العام 2001».

وبين التقرير أن أعداد السكان دون سن العمل (صفر - 14 سنة) في دول «التعاون» ارتفعت بشكل ملحوظ إذ بلغت هذه النسبة في السعودية 38 في المئة، فيما قدرت بـ 33 في المئة في عُمان، وبلغت 24 في المئة في الكويت، و22,5 في المئة في قطر، مشيرا إلى أن غالبية السكان الواقعين ضمن هذه الفئة هم من المواطنين. وذكر التقرير أنه باستثناء السعودية والبحرين، فإن غالبية العمالة المواطنة تتركز في القطاع العام، إذ إن 98 في المئة من العمالة الوطنية في قطر تتواجد في القطاع الحكومي، مقابل 94 في المئة في الكويت، وتبلغ نحو 46,2 في المئة في عمان، بينما تشكل العمالة الأجنبية ما نسبته 61 في المئة من إجمالي العمالة في دول المجلس.

وزادت نسبة السكان الأجانب إلى إجمالي السكان في السعودية عن 27 في المئة، فيما بلغت 25 في المئة في عمان، ووصلت ذروتها في الكويت بنسبة قدرها 73,2 في المئة، وهو ما اعتبره التقرير بأنها نسب تدعو إلى القلق نتيجة لتأثيرها المباشر على ميزان المدفوعات للدول الأعضاء الحكومي وغير الحكومي فالكل أمامها سواء.

ترى متى نجد أمامنا دراسة تقرأ علميا هذا الواقع الذي تمثله هذه العمالة، بما لها وما عليها، وتمدنا بالحل المناسب الذي يجول دون اشتعال فتيل القنبلة الموقوتة ويحمينا من أضرار انفجارها، من دون إجحاف لحقوق تلك العمالة أو التفريط في إنسانيتها.

Capt

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1344 - الخميس 11 مايو 2006م الموافق 12 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً