العدد 1344 - الخميس 11 مايو 2006م الموافق 12 ربيع الثاني 1427هـ

استقلال البحرين الناجز

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

بعيداً عن الجدال الجاري والناشئ عن التصريحات التي أدلى بها الرئيس حسني مبارك عن الشأن العراقي بشيعته وسنته وغمزها من قناة الشيعة العرب في دول الخليج بأنهم موالون لإيران، لنترك كل هذا جانباً ولأسرد تجربة حية عشت فصولها كاملة في وطني البحرين. إنه استقلال البحرين العظيم الذي تكاتفت جهود قيادة البحرين الحاكمة الرشيدة مع جموع شعبه من شيعة وسنة بل وعجم على تحقيقه والوصول بسفينة البحرين وسط الأنواء والأمواج العاتية إلى بر الأمان والاطمئنان. وكنت عضوا في لجنة التوعية التي رأسها وزير الشئون الإسلامية الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة وضمت في عضويتها أيضاً المرحومين يوسف أحمد الشيراوي وجاسم أحمد فخرو وكانت لجنتنا تؤدي نشاطها في مدينتي المحرق والحد، وأذكر من الأندية التي زارتها لجنتنا نادي البحرين ونادي الإصلاح ونادي الحالة ونادي النهضة في الحد وهذه اللجنة ضمن لجان أخرى متعددة تغطي مختلف مناطق البحرين. التحقت موظفاً بدائرة الإعلام التابعة لحكومة البحرين في يونيو / حزيران 1968، وأذكر جيداً أنه في أبريل/ نيسان من ذلك العام أصدرت بريطانيا العظمى إعلاناً تضمن نيتها الأكيدة والقاطعة بانسحاب قواتها وإنهاء وجودها العسكري في العام 1971 من شرق السويس ومن الخليج، ضغطاً للمصروفات المالية المتزايدة التي تثقل كاهل الخزانة البريطانية واقتصادها الضعيف والمثقل بأعباء مالية كبيرة واقتصادية لا قدرة لها على تحملها. هذا الإعلان المفاجئ أو غير ذلك للعالمين ببواطن الأمور من أهل السياسة والكياسة جعل إيران تستبق الحوادث وتعلن تأكيدها الجازم والقاطع وعلى رؤوس الأشهاد على الحقوق الإيرانية التاريخية في الخليج وعلى رأسها تبعية البحرين لها. إلا أنه في يناير / كانون الثاني 1969 حدث تحول واضح في الموقف الإيراني الرسمي. وكان يطلق على إيران آنذاك شرطي الخليج المدجج بأحدث الأسلحة المتطورة الأميركية والغربية. وجاء على لسان الشاه الإمبراطور محمد رضا بهلوي إقراره وتأكيده بهدم اعتماد القوة في تحقيق مكاسب إقليمية، وإن حكومته في الوقت الحاضر ستحترم رغبات وإرادة سكان البحرين إذا كانوا لا يرغبون في الانضمام إلى إيران، وأكثر من ذلك أنه أقر بعروبة البحرين وعدالة قضيتها. وبصفتي من المتتبعين لتطورات الحوادث السياسية المتسارعة في الخليج ومنها البحرين بصورة خاصة.

كنت أراقب تلك الاتصالات المتواصلة والتي كانت تدور في ذلك الوقت وتحديداً في جنيف بين رئيس المجلس الإداري سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة وبرفقة رئيس دائرة الخارجية والإعلام الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، وذلك مع وكيل وزارة الخارجية الإيرانية الذي كان يرأس وفداً رفيع المستوى من الإيرانيين المعنيين بملف البحرين وكانت تلك المحادثات أول مفاوضات رسمية بين البلدين وعلى هذا المستوى الرفيع وهو كسب مشهود للدبلوماسية البحرينية ويجب التنويه به وتابعته عن قرب، وكانت هناك رحلات مكوكية للشيخ محمد بن مبارك آل خليفة لجنيف ولندن وبلدان أخرى، وقد استمرت لشهور عدة. وكانت صفحة وجهه بتقاسيمها وأساريرها المعبرة سرعان ما تعكس كل نجاح أو إخفاق بعد كل جولة من المباحثات.

كنت ألحظ ذلك مثل باقي زملائي بدائرة الإعلام، وتابعت في ذلك الوقت كل التحركات السياسية في هذه المنطقة، إذ قام نائب رئيس مجلس الشيوخ الإيراني السيناتور الإيراني مسعودي بدور كبير في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة والوصول إلى الحل المنشود، وكذلك الدور المهم الذي قام به وزير خارجية السعودية عمر السقاف في اتصالاته المهمة ومساعيه الحميدة مع الجانب الإيراني وكلها تنصب في دعم الجهود السلمية التي كانت تقوم بها السعودية، وأدى هذا إلى تبني إيران موقفاً سلمياً معتدلاً وواقعياً بدل الموقف العدائي المتصلب والمعلن. وقد برز في العام 1957 من القرن العشرين حين أعلنت إيران آنذاك رسمياً ضم البحرين إليها وأطلقت عليه الإقليم الرابع عشر. ولابد أن ننوه بدور ملك المملكة العربية السعودية الملك فيصل في مواجهة الادعاءات الإيرانية لضم البحرين، وكذلك جهود الكويت الدبلوماسية المشهودة. وكانت هناك في الوقت نفسه اتصالات متواصلة بين بريطانيا وإيران عن هذا الشأن المهم وأدت إلى قبولها إرسال مندوب من منظمة الأمم المتحدة إلى البحرين لاستطلاع رأي شعبها بشأن ما إذا كان يرغب في الاستقلال أو الانضمام إلى إيران. وكانت هناك اقتراحات عدة من بينها إجراء استفتاء وقد استبعد تماماً وهو ما كانت تطالب به إيران.

وأذكر جيداً وصول بعثة الأمم المتحدة للمساعي الحميدة إلى البحرين في صباح 30 مارس/ آذار 1970، وكانت البعثة تضم 5 ممثلين دوليين من ايرلندا وفرنسا والهند والأردن واندونيسيا ورئيسها الإيطالي السفير وينسبير جيو شاردي. وفي فندق الخليج وبقاعة المؤتمرات اتخذت هذه اللجنة مقرا لها إذ استقبلت أعداداً من كل الشخصيات الدينية والمدنية البحرينية وكذلك ممثلين عن المؤسسات المختلفة كالأندية والجمعيات إلى جانب القرى ومعظم مناطق البحرين. وانتهت مهمة اللجنة في اتصالاتها المكثفة ومساعيها الحميدة بعد 19 يوما. وفي 30/ 4 /1970 قدم رئيس لجنة تقصي الحقائق وانسبير تقريراً اضافياً ووافياً إلى الأمين العام للأمم المتحدة أوثانت تضمنت نتائج بعثته في البحرين، وهو استطلاع رأي جميع المواطنين بمؤسساتهم وأنديتهم وجمعياتهم المختلفة. إذ أكدوا صدق انتمائهم لعروبتهم وحقهم في حياة كريمة وبعيشة مستقرة ومستقبل سياسي آمن. وقد أجمع كل من استطلع رأيهم على تأكيدهم على بقاء البحرين دولة عربية مستقلة وكاملة السيادة، وكانت إيران قد تقدمت بطلب إلى السكرتير العام للأمم المتحدة بإرسال مندوب من المنظمة الدولية لاستطلاع رأي شعب البحرين بشأن ما إذا كان يرغب في الاستقلال أو الانضمام إلى إيران. وفي 11/5/1970 أعتمد هذا التقرير من مجلس الأمن وكانت جلسة مهمة وقد حضرها رئيس دائرة الخارجية والإعلام الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة والمستشار القانوني لمجلس الدولة حسين البحارنة.

وأصبح هذا التقرير وثيقة دولية مهمة تضمن اعترافا صريحاً لا لبس فيه، وإقراراً من إيران بهذه النتيجة المعلنة. وفي ضوء ذلك أرسلت الحكومة الإيرانية وكيل الخارجية الإيراني الذي كان معنيا بملف البحرين والمفاوضات مع وفدها في جنيف إذ زار البحرين على رأس وفد، وذلك بعد إقرار مجلس الأمن باستقلال البحرين وسيادتها. جاء إلى البحرين ليقدم التهنئة الخالصة لحكومتها بعد صدور هذا القرار المهم الذي أنهى حقبة من العلاقات المتوترة والعدائية بين البلدين، وأكد بداية صفحة جديدة من العلاقات بينهما. وأذكر جيداً أن وكيل الوزارة الإيراني زار متحف البحرين في مقره المؤقت وكان في الدور الأول من مبنى الحكومة. وقام بتفقد جناح حضارة دلمون الغابرة وأعجب بها أيما إعجاب، وأشاد بتاريخ البحرين الناصع عبر العصور المختلف. وفي يونيو / حزيران 1970 قام رئيس مجلس الدولة سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة بأول زيارة رسمية لإيران وكانت بمثابة دفعة قوية لتعزيز علاقات الصداقة والتعاون السياسي والتجاري والاقتصادي وتمتينها بين البلدين. وأعقبتها زيارة رسمية مهمة لحاكم البحرين سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في 18/12/1970. وحققت تلك الزيارة على المستوى السياسي نجاحاً ملموساً وأعادت للبحرين مكانتها الحضارية والتاريخية في هذه المنطقة المهمة من العالم. وكنت ضمن الوفد الإعلامي المرافق، وأضافت شخصية الشيخ خليفة ذات الحنكة السياسية والذكاء الفطري النجاح المطلوب لهذه الزيارة المهمة في تلك الفترة العصيبة من تاريخ البحرين وتكللت بالنتائج الكبيرة الملموسة. ووقفت الطائفتان الكريمتان الشيعية والسنية في البحرين في الدفاع بقوة عن استقلال البحرين وسيادتها وعروبتها، وهذه أمور مدونة وموثقة في لجنة الأمم المتحدة، وقد أكد الشيعة كما السنة ولاءهم التام لوطنهم البحرين ولنظامها السياسي. كما أكد الجميع على التصويت على الميثاق الوطني الذي انبثق إلى الوجود في 14/2/2001 وترسيخ الوحدة الوطنية ودعم مشروع جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الوطني الإصلاحي بل والقومي. إنه تحديث سياسي ونقلة حضارية واجتماعية واقتصادية على دروب التقدم والرقى، إنه حقا تدعيم لمسيرة البناء الخيرة في ظل الديمقراطية وأجواء الحرية والعدل والمساواة والعمل المشترك والجاد من أجل حاضر واعد ومستقبل مشرق وضاء يسوده الأمن والاستقرار والرفاه والازدهار، إنه ساحة واسعة لكل الأطراف لكي تتحاور بروح موضوعية وإنسانية وتبقى البحرين وطناً للجميع ولا أحد ينكر تلك العلاقة المتينة بين القيادة الحاكمة وبين القاعدة الشعبية الواسعة في وطننا البحرين. ومما عكر صفو العلاقات الحسنة بين البحرين وإيران تصريحات آية الله صادق روحاني في يوليو 1979 وذلك بعد انتصار الثورة الإيرانية وقيام الجمهورية الإسلامية في فبراير/ شباط 1979، إلا أن رئيس الوزراء الإيراني مهدي بازركان وكذلك وزير خارجيته إبراهيم يزدي نفيا هذا التوجه الخاص. كما أكد بقوة أن هذه التصريحات لا تمثل وجهة نظر الحكومة الإيرانية الرسمية وليس لها أيضاً أية قيمة سياسية تذكر. وخلال شهر سبتمبر/ أيلول 1979 قدمت أوراق اعتمادي كسفير للبحرين إلى مهدي بازركان وقد حضرها وزير خارجيته إبراهيم يزدي. وعملت هناك ما يقارب الثلاث سنوات كانت العلاقات طيبة خلال تلك الفترة وقد اعترتها بعض حالات من التوتر والجمود. وجاءت زيارة نائب رئيس الوزراء الإيراني إلى البحرين صادق طبطبائي خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني لتعيد القوة والزخم إلى العلاقات، وأكدت احترام إيران الثورة لاستقلال البحرين ودول الخليج الأخرى.

وفي مايو / أيار 1980 زار وزير خارجية إيران صادق قطب زاده البحرين. وكانت زيارة ناجحة بكل المقاييس وقد عززت سبل الصداقة والتعاون بين البلدين وأكدت حسن النية والتوجه لدى الحكومة الإيرانية. وبقي علينا أن نتعايش مع الجارة إيران هذه الدولة المهمة المركزية ذات الدور الإقليمي في منطقتنا. وقد أصبحت اليوم ذات مخالب وأسنان نووية وإن مفاعلها النووي في مدينة بوشهر التي تقع على شاطئ الخليج هي أقرب إلى بلداننا الخليجية من العاصمة طهران، إذا هناك قلق إقليمي إلى حد ما ولاشك أن إيران اليوم تفتخر بهذا الإنجاز العلمي ولا غرابة في ذلك فلإيران تاريخ وماضٍ حضاري يعود إلى كورش وكسرى ورستم كما أن دخول الإسلام إلى إيران هو جزء مهم من تاريخهم الناصع وقد عززت مكانة إيران في محيطها الإسلامي. وكان لدى الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي طموح وخطط وبرنامج نووي وتكنولوجي وعلمي إلا أنه أفل مع زوال نظامه. وقد حرص الرئيس أحمدي نجاد على إعلان هذا الإنجاز من مدينة مشهد المقدسة إذ تضم مرقد الإمام الرضا (ع) وأضرحة شيعية مقدسة أخرى. والآن هناك سجال محموم وساخن في أقطار العرب والعجم بل العالم أجمع. والمراقبون السياسيون المهتمون بهذا الشأن ينظرون بنوع من القلق والترقب وكيف ستعامل إيران مع ملفها النووي وقد نقل إلى مجلس الأمن ووضع إيران في أجواء الإرادة الدولية. وهل ستماثل حالها حال العراق وأنها انتهكت القوانين الدولية؟ وقد تتعرض لهجوم عسكري والجميع ينتظر ماذا سيسفر عن الحوار الأميركي الإيراني المرتقب، وهناك قرار عتيد بشأن نزع السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل من منطقة الشرق الأوسط مطروح على طاولة النقاش كل عام في كيان الأمم المتحدة. كما أن أهل الاختصاص يدركون ماهية الولاء المذهبي للمراجع الشيعية الكبرى سواء في مدينة النجف أو قم المقدستين وحوزتها الدينية، وأهل مكة أدرى بدروبها وشعابها.

ويجب ألا نغالي كثيراً في الخلط بين الولاء السياسي والولاء الديني عند الشيعة العرب وفي هذا غبن واضح وظلم مبين على المواطنين العروبيين والوطنيين. وفي الختام أود القول إن مشيخة الأزهر في مصر قبل ثورة يوليو 1952 كانت تسند منصب شيخ الأزهر إلى أهل الكفاءة والعلم من علماء الدول العربية ولا تقصره على علماء الدين المصريين. وكان شيخ الأزهر في بداية سنوات الخمسينات هو العالم الجليل الشيخ الخضر حسين وهو من تونس الخضراء

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1344 - الخميس 11 مايو 2006م الموافق 12 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً