عرفت الأسواق العربية في الآونة الأخيرة بعض حالات الاندماج. وكان القطاع المالي، وعلى وجه الخصوص المصرفي منه، أنشط الأسواق وأكثرها حيوية على هذا الصعيد وربما كان مصدر ذلك غزارة تدفق الأموال العائدة من الأسواق العالمية بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول، أو من جراء ارتفاع أسعار النفط. وعملية الدمج (merger) تعني هنا توحيد مصرفين أو أكثر، على سبيل المثال، بمصرف واحد وبشخصية اعتبارية واحدة، وبقوائم مالية واحدة، إذ تزول الصفة القانونية للمصارف المنفردة سابقاً مقابل الشخصية الجديدة للمصرف المندمج. أما الحيازة (acquestion) إما شراء شركة لأخرى، أو وجود شركة مصرفية أو مالية قابضة تمتلك نسبة مرتفعة (تفوق 50 في المئة) أو تقل عن ذلك في عدد المصارف مع محافظة المصارف في المجموعة على شخصيتها الاعتبارية.
وتقف دوافع كثيرة وراء النمو السريع للاندماجات والحيازات المصرفية التي باتت تعم المنطقة، وهي متفاعلة مع بعضها بعضاً، إلى حد كبير ومنها تحسين الربحية، اي توقعات المالكين أو المساهمين من ارتفاع الأرباح بعد الاندماج والحيازة، وخصوصاً في مجال فتح الأسواق الجديدة، وتخفيض المخاطر بسبب زيادة حجم المصرف (قياساً بمجموع الأصول أو مجموع الودائع أو حتى برأس مال المصرف المعني)، وعادة ما يترافق فتح الأسواق الجديدة التنويع في حزم المنتجات والخدمات، وكل ذلك ينعكس إيجابا على صعيد تحقيق اقتصادات الحجم وتخفيض المخاطر بسبب زيادة حجم المصارف (قياساً بمجموع الأصول أو مجموع الودائع أو برأس المال المصرفي. إلى جانب ذلك فإن تحقيق اقتصادات الحجم والانسجام مع آلياتها يقود إلى تخفيض الكلف من حيث استخدام الطاقات الفائضة وإزالة الازدواج في الإيرادات والفروع وزيادة الحصة السوقية وتحقيق مركز أفضل في السوق. ولا ينبغي أن يفوت علينا هنا تقليص المنافسة اوالتخفيف من حدتها وتقليل عدد المشاركين فيها، إذ تشتري بعض المصارف مصارف أخرى منافسة لتحديد رقعة المنافسة وتوسيع حزمة المنتجات والخدمات المصرفية وتحسين القدرات الإدارية للمصارف الموحدة وإنقاذ المصارف الفاشلة وشرائها بمبالغ منخفضة.
لكن جميع هذه الإيجابيات لا يمكنها أن تخفي مجموعة لايستهان بها من السلبيات، التي من بينها، أن تقليل المنافسة يقود إلى زيادة التوجه نحو الاحتكار، بسبب وجود مصارف كبيرة الحجم تستحوذ على السوق واحتمال زيادة الكلف بسبب وجود مشتريات إدارية أو تنظيمية كثيرة لتحقيق التنسيق بين مجموعة المصارف وزيادة البيروقراطية في العمل المصرفي بسبب تباطؤ حركة المصرف الكبير وضعف الاهتمام بالعملاء بسبب الهيمنة شبة الاحتكارية على السوق عموماً.
لذلك فمن الخطأ الأخذ بسياسة الدمج أو الحيازة بشكل مطلق، وعوضا عن ذلك ينبغي دراسة كل حالة على حدة وعلى نحو مستقل وأخذ الحلول المناسبة لها وفي نطاق الظروف المحيطة بها بعد الموازنة بين السلبي والموجب عند اللجوء إليها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1343 - الأربعاء 10 مايو 2006م الموافق 11 ربيع الثاني 1427هـ