«إقامتك غير شرعية، إن موعدك الجمعة!»، ربما بهذه العبارة أنهى موظف الجوازات حواره مع ممثل المعهد الديمقراطي (NDI) في البحرين فوزي جوليد صباح أمس الأول، إلا أن فوزي ذاته عرف أن الذي لم يدركه ذلك الموظف هو أن ثمة الكثير سيطرؤ، فليس الجمعة على أي حال بقريب.
فوزي جوليد الذي عمل في البحرين طيلة السنوات الماضية كان ولايزال أمام تاريخين رئيسيين (ما قبل 2004 وما بعده)، ما قبل 2004، كان ذلك الرجل القوي الذي يجول البلاد ببرامجه التي شاركت بها شتى القوى السياسية البحرينية، فلم يكن أحد ما مهتماً في إدارة الجوازات البحرينية بأن يتفحص أوراق جوليد حينها وينظر ما إن كانت قانونية، كما هي الحال صباح أمس الأول.
ولكن، ليوم أمس الأول (الاثنين) دلالات نوعية أكثر منها دلالات «قانونية»، فالقانون في أي نظام من النظم العربية هو عالم من الملابس «الفسيحة»، هذه الدلالات النوعية تتمحور في السياق الآتي:
أولاً: لابد أن تكون الطريقة التي لا تتصف باللياقة، التي عومل بها جوليد محط استنكار يمازجه شيء من «التخوف»، فقد كان من الضروري التفريق بين جوليد «الإنسان، صاحب العائلة المقيمة في البحرين»، وبين جوليد «السياسي، العامل بمؤسسة NDI»، وفي هذا السياق لابد أن نخشى أن تتفهم المؤسسة السياسية الأميركية هذا الإجراء بأنه إجراء «استفزازي» على الأقل.
ثانياً: لابد ألا نتوقع أن تكون تلك الإعلانات عن المشاركة في الانتخابات القادمة من قبل جمعيات المعارضة هي المسبب الرئيسي في إنهاء خدمات NDI، بمعنى أن جوليد أنهى بذلك خدماته في البحرين، وليس من الممكن لنا اعتبار أن معهد التنمية السياسية برئاسة العوضي هو من سيقوم بباقي الأدوار، فالعوضي شخصية «صدامية» مع المخالفين لها، ولا تتحلى في المجمل العام بفنون التعامل السياسي، التي كان جوليد يجيدها نوعاً ما.
ثالثاً: لابد من مراعاة الارتباط الوثيق والمباشر بين معهد NDI وبين الرئيس الاميركي جورج بوش الذي دعا إلى زيادة واردات NED، التي تتولى الإشراف المباشر على أعمال NDI، ففي خطابه الذي ألقاه بمناسبة افتتاح معرض ونستن تشرشل بمكتبة الكونغرس في 4 فبراير/ شباط 2004 قال: «طلبت من الكونغرس مضاعفة موازنة المؤسسة الوطنية لدعم الديمقراطية ورفعها إلى 80 مليون دولار. ومهماتها الجديدة ستكون تشجيع الانتخابات الحرة، والسوق الحرة، واقتصاد السوق، وحرية الصحافة، والحرية النقابية في الشرق الأوسط...».
وهذا ما يحيل إلى أن الأوراق السياسية الحكومية في تعاملها مع NDI لم تكن دقيقة بما يكفي، فليس سراً أن نذيع هذا اليوم فحوى رسالة «شديدة اللهجة» وجهت قبل مدة من قبل الخارجية الأميركية إلى مكتب NDI واشنطن، تلومه على تأخره في إخبار الخارجية الأميركية بالأزمة السياسية والقانونية لـ NDI في البحرين، محتجاً على أن هذا يتعارض مع تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية، التي أشادت فيها بالتجربة البحرينية.
رابعاً: البعض يراهن على أن الدبلوماسية الأميركية «المنهكة» جراء ما تعانيه القوات العسكرية الأميركية في العراق أعطى الجرأة لباقي الدول الشرق أوسطية ألا تعطي الولايات المتحدة ذلك الثقل الامبراطوري لها، وهذا الرأي فيه إشارات بالغة الخطورة، وما يؤكد هذه الرؤية العجز الدبلوماسي الأميركي عن الإفراج عن الناشط السياسي المصري أيمن نور على رغم محاولات أعضاء الكونغرس الأميركي المستميتة مع الحكومة المصرية، وتأتي حوادث أمس الأول لتزيد من رجاحة هذه الرؤية.
أياً تكن أسباب هذا الإجراء الغريب صبيحة أمس الأول، فإن هذا الأمر لا يمكن أن يمرّ حتى الجمعة مرور الكرام، وإن كنا في انتظار «سليطة اللسان» مادلين أولبرايت لتدلي بدلوها، فإننا لا ننكر «خشية» غضب الحكومة الأميركية فيما إذا أخذ الحدث بعداً دولياً، من جهة أخرى، كنت ذكرت قبل مدة في أحد المقالات أن جوليد قد لا يجد من يودعه في المطار، لكنني لم أكن مستعداً البتة لأن يكون قرار إنهاء خدماته بهذه الطريقة المرفوضة
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1343 - الأربعاء 10 مايو 2006م الموافق 11 ربيع الثاني 1427هـ