عدم نجاح الولايات المتحدة في جرجرة دول مجلس الأمن الدائمة العضوية زائد المانيا إلى مشروع قرار يلزم إيران بوقف تخصيب اليورانيوم يعتبر خطوة جيدة لمصلحة طهران. فأميركا راهنت كثيراً على مأدبة «العشاء الأخير» في نيويورك ورأت أنه بإمكانها من خلال الوليمة أن تفاوض دول الضد (الصين وروسيا) على صيغة دولية تصدر تحت «الفصل السابع»، وضمن مهلة زمنية، تكون مقدمة لفتح الباب على احتمال حرب.
انتهى العشاء من دون نتيجة عملية، الأمر الذي أنعش آمال العودة إلى الحل الدبلوماسي، وهذا ما أشار إليه جورج بوش حين وصف «الدبلوماسية» بانها «الخيار الأهم». وذهبت وزيرة الخارجية البريطانية مارغريت بيكيت في الاتجاه نفسه مؤكدة أن الدول الكبرى لا تعتزم التحرك عسكرياً ولكنها لم تسقط هذا الاحتمال من تصوّرها.
هناك إذاً مشكلة دبلوماسية الانتظار تواجه دول مجلس الأمن بشأن الملف النووي. والمشكلة يمكن قراءة عناصرها على درجات مختلفة. أميركا مثلا حددت أهدافها وهي منع إيران من امتلاك قنبلة نووية وأيضاً منعها من امتلاك وسائل تقنية قادرة على إنتاج تلك القنبلة. بريطانيا أيضاً تفكر في الاتجاه نفسه. وفرنسا ليست بعيدة عن هذا التفكير. كذلك المانيا... حتى الصين وروسيا تفكران في الاتجاه المذكور.
إيران من جانبها أكدت مراراً أن برنامجها يقتصر على إنتاج الطاقة السلمية، لحماية اقتصادها وثروتها النفطية من الاستنزاف مستقبلاً. كذلك كررت التزامها المواثيق الدولية واحترامها لكل المعاهدات والبروتوكولات التي وقّعتها في هذا الشأن.
إيران في هذا المعنى لم تخالف القوانين الدولية ولاتزال تتصرف وفق الإطارات التي تنظم مثل هذا النشاط. فالمشروع تأسس بناء على حاجة البلد له. واعتمدت طهران العلنية والشفافية واخضعت مؤسساتها للرقابة والتفتيش ولم تعارض زيارات بعثات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
المشكلة إذاً ليست في طهران، وإنما في واشنطن. فهذه الإدارة الأميركية كانت هي السبب في تحريك الملف ونقله إلى مكان آخر غير فيينا. و«إسرائيل» كانت هي المسبب في إثارة أزمة لحسابات تتصل بموقعها ودورها في منطقة «الشرق الأوسط».
المسألة من بدايتها مفتعلة وقامت تل ابيب باختلاقها مستفيدة من وجود قوات وقواعد عسكرية أميركية منتشرة في محيط إيران الجغرافي - السياسي، يمكنها الاعتماد عليها لتقويض مشروع الطاقة السلمي بذريعة وجود «أجندة سرية» لدى قيادة طهران.
حتى الآن لم تتراجع تل ابيب عن ضغوطها. فهي لاتزال تصر على إشاعة أكاذيبها مستغلة نفوذها الخاص في «البيت الأبيض» والكونغرس لإبقاء الملف تحت النار.
تسخين الملف الإيراني يعتبر سياسة إسرائيلية افتعلت بالتنسيق مع اللوبيات والمافيات الحاكمة في واشنطن. لذلك يتوقع أن يبقى الملف حامياً بسبب وجود اتجاهات متطرفة في الإدارة تؤلّف الحكايات وتضخم المخاطر لإثارة انتباه الرأي العام للضغط على بوش ودفعه نحو اتخاذ خطوت مغامرة. والرئيس الأميركي يبدو من النوع الذي لا يحتاج إلى تشجيع. فهو أصلاً حين تحدث عن الخيار الدبلوماسي وصفه بـ «الأهم». والأهم لاتعني أنه استغنى عن خيارات أخرى.
عدم توصل مأدبة العشاء في نيويورك إلى صيغة تفاهمية أفشل مجلس الأمن في اتخاذ خطوة سريعة نحو إصدار قرار دولي. وهذا فرض على واشنطن أن تلجأ إلى دبلوماسية الانتظار. والانتظار يعني اللجوء إلى سياسات مختلفة، منها مواصلة إقناع الدول الخمس على التوافق على صيغة مشتركة وهذا يتطلب الكثير من الوقت، ومنها رفع مشروع القرار إلى مجلس الأمن وإصدار قرار من دون اجماع وهذا يترتب عليه مخاطرات دبلوماسية تذكر بتلك الأجواء الدولية خلال أزمة العراق، ومنها إعادة الملف إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقابل موافقة طهران على وقف التخصيب أو نقله إلى الأراضي الروسية، وهذا يحتاج إلى مبادرة أميركية - إسرائيلية.
المعركة إذاً طويلة أو على الأقل لم تنته فصولها الدبلوماسية. والمشكلة تبقى في «إسرائيل» وتحالف اللوبيات والمافيات الأميركية المؤيدة للكيان العبري. وهذه المشكلة قد تنجح في تطوير عناصر المعركة الدبلوماسية وتحويلها إلى حرب في حال دفعت الأزمة إلى نقطة اللاعودة. وهذا يعني اقناع «البيت الأبيض» بعدم فائدة الحوار سواء في مجلس الأمن أو في حال إعادة الملف إلى الوكالة الدولية. المخاوف تكمن في نجاح الثنائي الأميركي - الإسرائيلي في قطع جسور التفاوض ومنع دبلوماسية الانتظار من استكمال مجراها الطبيعي.
في هذه الحال تكون تل ابيب في إطار تحالفها مع واشنطن قد وضعت المنطقة أمام خيار آخر غير الخيار الدبلوماسي. وهذا الأمر الخطير يحتاج إلى استعدادات مختلفة قد تستفز الكثير من الدول وفي طليعتها روسيا
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1343 - الأربعاء 10 مايو 2006م الموافق 11 ربيع الثاني 1427هـ