عندما كنا في حفل الاستقبال الذي أقامته رئيسة المجلس الأعلى للمرأة تكريما لمن أسهم في إنجاح مهرجان الحدائق السنوي، طرحت سموها موضوعا كما لو كان همّا تحمله ضمن سعيها إلى عمل شيء لأجل المرأة البحرينية والأسرة، والذي لا يتحقق من دون دعم الرجل الذي هو رب الأسرة واليد الماهرة العاملة في الحرف والأعمال الشاقة، ولاسيما المرتبطة منها بالهم الآخر الذي يشغل بال سموها وهو النخلة والحفاظ على التراث الزراعي البحريني.
كان الحفل غير تقليدي، إذ تم فتح الباب للنقاش وتبادل الرؤى، وكم كان ملهما سماع الرؤى والأفكار والمقترحات، بل والشكاوى المختلفة من الأفراد المتنوعين من حضور الفعالية. وهم متنوعون بتخصصاتهم وخلفياتهم الثقافية والأكاديمية والعملية، ومتنوعون باهتماماتهم وتوجهاتهم بل حتى بأعراقهم، فكنا نتحدث باللغتين العربية والإنجليزية، وكنا نستمع إلى وزير ومذيعة تلفزيونية ورئيسة جمعية ورئيس تنفيذي بشركة كبرى.
وسط كل النقاشات التي كانت تجري وتعليقات سموها عليها والتوجه والاهتمام الذي تفاجأت به من قبل الجميع بطرح موضوعات بيئية، وجدتني أفكر في أنني ومنذ قبل تخصيص دراساتي العليا في مجال صون الطبيعة والمحميات الطبيعية والسياحة البيئية، كنت أعتقد أن الحل لكل المعضلات البيئية الضخمة في البحرين والتي طالما أرقتني واستحوذت على جهدي ووقتي، واهتمام جمعية أصدقاء البيئة، يكمن في التبني الحقيقي والتطبيق الصحيح المدروس للسياحة البيئية؛ تلك السياحة التي تنجح في جلب رؤوس الأموال للبلد، وتنجح أيضا في إبقائها في البلد والتقليل من تسرب أرباحها إلى أماكن أخرى. بل أكثر من ذلك، فالسياحة البيئية تسعى إلى إنعاش المجتمع المحلي ماديا ليضيف حافزاً آخر لتبنيها ودعمها واستمرارها.
من هنا يتحقق الجانب البيئي منها، إذ انها سياحة قائمة على التراث الطبيعي للبلد، وعلى توفير جو وتجربة مميزة للسياح مع الطبيعة، والتمتع بالبيئة من دون إيذائها، والتعرف على الميزات الطبيعية من حياة فطرية ومناظر طبيعية وأنظمة حيوية، بل وتراث إنساني أيضا متصل بها، وفهمه والاقتراب منه والشعور بالسعادة والمتعة معه، وبالتالي الشعور أكثر بقيمته. إذاً... فلكي تستمر هذه السياحة لابد من الحفاظ على مقومات استمرارها، لابد من صون البضاعة التي تبيعها وتدر الأرباح وهي الطبيعة والبيئة والتراث الزراعي أو البحري المتصل بها.
قبل أكثر من أربع سنوات كانت هذه الفكرة تراودني، وبناء عليها أردت أن أتعلم المزيد لأقدم من خلال هذا الحل المزيد من الحوافز للدفع نحو الاستثمار المستدام في البيئة والقائم على حمايتها، بدلا من الاستثمار القائم على تدميرها والمسئول عن دمار شاسع ابتليت به بيئات البحرين بحراً وبراً يتزايد كل يوم. وكنت حينها أرى في البحر والبيئة البحرية والتراث البحريني المتصل بالبحر من تراث الغوص، الصيد والاحتفالات المجتمعية التي تقام في البحر والمادة الرئيسية للسياحة البيئية في البحرين.
وقبل ثلاث سنوات وعندما تبنت جمعية أصدقاء البيئة قضية الحزام الأخضر وسعت إلى انقاذ نخيل عذاري بعد أن فشلت في إنقاذ نخيل بني جمرة العريقة، على اعتبار أنها خارج الحزام الأخضر، كما أخبرنا المعنيون، بدأت في إعطاء محاضرات وندوات بشأن الحزام الأخضر في أماكن عدة من البحرين، ومنها الملتقى الثقافي الأهلي، والذي من خلاله تعرفت على أحد أبناء بوري الذي قادنا إلى تلك القرية الزراعية الساحرة. ومن خلال بوري وزياراتنا المتعددة لها وإلى الدراز، ومن ثم إلى مناطق الحزام الأخضر المختلفة، عرفت أن لدى السياحة البيئية عنصراً سياحياً مهماً وأصيلاً وهو التراث الزراعي.
بعد حضوري لحفل الاستقبال بقصر الروضة وسماع نداءات صاحبة السمو لسماع المقترحات، عن تطوير مهرجان الحدائق والتراث الزراعي البحريني، وبعد تلمس الهموم التي كانت تحملها تجاه المزارع البحريني البسيط، وتجاه النخلة بدأت بإعداد دراسة عن مشروع للسياحة الزراعية يضاف إلى مشروعي السابق بشأن السياحة البحرية، ولعل هذا المشروع الجديد يرى النور بعد لقائي المرتقب مع رئيسة المجلس الأعلى للمرأة ولعلي حينها أتأكد أن السياحة البيئة فعلاً هي الحل القابل للتطبيق في بلد المليون نخلة
إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"العدد 1343 - الأربعاء 10 مايو 2006م الموافق 11 ربيع الثاني 1427هـ