العدد 1342 - الثلثاء 09 مايو 2006م الموافق 10 ربيع الثاني 1427هـ

إذا عرف السبب... يبطل عجب «الجنة الآن»

منصورة عبد الأمير mansoora.amir [at] alwasatnews.com

حصد من الإشادات ما لم يتمكن سواه من أفلام بلاده من الحصول عليها، ولفت انظار النقاد «العالميين»، أو هكذا بدا، ثم تألق كما لم يتألق أي فيلم آخر يمثل قضية بلاده. إنه «الجنة الآن» الفيلم الفلسطيني الهولندي، المثير للجدل، لا بسبب ما يتطرق إليه من قضية وحسب، بل نظراً إلى تمكنه من الترشح لأوسكار أفضل الأفلام الأجنبية لهذا العام.

العجيب أنه لم يحدث قط أن انتبهت هوليوود بنقادها وصناع الأفلام فيها لفيلم يناقش قضية شرق أوسطية، على الأقل حين يأتي على يد سينمائية عربية. والأعجب أنه لولا الحملة الصهيونية التي قامت ضده إثر انتشار أنباء ترشحه للأوسكار لكان هو فعلاً من حصد الجائزة متغلبا على hcinuM. كيف يمكن ذلك، وما الذي يحدث، ولما يثير هذا الفيلم كل ذلك الجدل، والاهم هو كيف يمكن تفسير كل تلك المفارقات المحيطة به، إذ كيف يرشح للأوسكار ويرفضه اليهود، أليس الاثنان وجهين لعملة واحدة. ثم كيف ترفض دور السينما الاسرائيلية عرضه بحجة تعاطفه مع منفذي العمليات الاستشهادية من الفلسطينيين، في حين يوافق صندوق الأفلام الاسرائيلية على دعمه!

مساء الأربعاء الماضي، قام نادي البحرين للسينما بعرض الفيلم، وهو العرض الذي سارعت إليه بمجرد وصول نبأه إلى مسامعي علني أجد إجابة شافية لكل أسألتي المذكورة أعلاه. قاعة العرض امتلأت وأكاد اجزم بأنه الفضول، الفضول ذاته الذي يدفعني، هو ما دفع بالكثيرين للحضور في تلك الليلة. وحتى «تتم الحسبة» اصطحبت صديقتي الفلسطينية، التي أكدت لي قبل الدخول، أنها الآن ستكون على موعد مع ذكريات حلوة ومرة، خصوصاً لأن الفيلم مصور في مدينتها، نابلس، وانني يجب أن أستعد بكل ما أملك من مناديل الورق التي أحملها!

حمداً لله أن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل إنني وجدت نفسي بعدها أحاول أطفاء ثورة صديقتي التي أشعلها الفيلم، ولكي لا تذهب الظنون بقارئي، فقد كانت ثورة غضب... لا حماس. غضب شاركتها اياه. بالنسبة لي كان احباطاً ترجم في صورة غضب، لكنه بالنسبة إليها كان غضباً حقيقياً، إذ صرخت بي قائلة إنه يسيء إلينا، إنه يشوه صورتنا، كيف يمكن له أن يفعل ذلك، أمن أجل مراضاة اليهود وتطييب خواطرهم، أم لكي يغازل هوليوود، وربما المؤسسة الهولندية التي انتجت فيلمه أو تلك الاسرائيلية التي دعمته.

كانت صديقتي على حق، فهاني أبوأسعد، الفلسطيني الأصل، الهولندي الجنسية، يحاول أن يقدم تفسيراً أو تصورا لنفسية الاستشهاديين، وفي الوقت ذاته يحاول أن ينقل للغرب صورة مغلوطة علها تطيب خواطر الاسرائيليين المكسورة وكل من يجد فيهم ضحايا «الارهاب الفلسطيني».

عبر «الجنة الآن» يتتبع أبوأسعد الساعات الـ 48 في حياة شابين فلسطينيين تم اختيارهما «طوعا» لتنفيذ عملية استشهادية في تل أبيب. الشابان لم يعارضا العملية كما لم يبدُ عليهما أي حماس للقيام بها، لكنها الأوامر التي يجب أن تطاع. وقبل كل شيء فإن الرغبة في الموت والخلاص من حياة الحرمان التي يعيشها الاثنان في مخيمات نابلس هي ما دفعتهما لقبول الموت بهذه الطريقة البشعة.

نعيش مع الاثنين كل تفاصيل الساعات الأخيرة في حياتيهما لنقف على كل الضغوط التي يتعرض لها الشاب الفلسطيني بدءاً من حياة المخيم البائسة وظروف المعيشة القاسية فيها، وصولاً لضغوط اجتماعية وسياسية أخرى، كقسوة الفلسطينيين أنفسهم في التعامل مع بعضهم بعضاً وفي تفهم ظروف بعضهم الآخر. الفلسطيني لم يكن ضحية بالمعنى الدقيق في فيلم أبوأسعد، كان جانياً أيضا، فأحد الشابين اختار الموت «مفجراً نفسه» وأصر على تلك الميتة على رغم كل المعوقات، ليزيل عن نفسه عار كونه ابن أحد المتعاونين مع الاسرائيليين. الظريف في الأمر، وليست هي ظرافة محببة بل لعلها سوداء كالحة، أن أبوأسعد لم يتعرض للوحشية الاسرائيلية الحقة، إذ لم نر آثارا لها. كل ما شاهدناه هو جنود يقفون عند المعابر ونقاط التفتيش، ومدنيون عزل لا يكترثون حين يرغب أحد الشابين مشاركتهم حافلة للركاب، ومن بينهم طفلة جميلة تستقل الحافلة مع والدتها. الاسرائيليون لا يرفضون وجود الشاب وزميله، هم ينظرون بعين الحيطة والحذر فقط، لكنهم لا يمانعون أن يستقل أحد الشابين حافلة تنقل جنوداً، ليسوا في حال معركة، ولا يوجهون بنادقهم للشاب، لكنه على رغم ذلك يشد الحزام الناسف ويفجر نفسه بالآخرين.

هكذا هو الحال اذاً وهذا هو واقع « الجنة الآن» الذي جعل فيه أبو اسعد أبناء شعبه اشباه جناة أو ضحايا مذنبين.

وهذا فقط هو السبب الذي إذا عرف بطل عجب الإثارة المفتعلة حول الفيلم

إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"

العدد 1342 - الثلثاء 09 مايو 2006م الموافق 10 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً