في مطلع شهر مايو/ أيار 2003 أعلن الرئيس الأميركي انتهاء العمليات العسكرية في العراق، واعداً المرأة بالتمكين، وشعوب المنطقة بالرخاء والازدهار والإصلاح، والحكومات بتغيير سلوكها، والدول بتعديل خرائطها السياسية. ومن مجموع هذه الأفكار أطلقت إدارة البيت الأبيض على استراتيجيتها اسم «الفوضى البناءة».
الآن وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على احتلال العراق وتقويض دولته، كيف يمكن وصف واقع الحال في مايو 2006؟
قراءة مجرى الحوادث في أسبوع تعطي عيّنة عن تلك الكارثة التي جلبها المحتل الأميركي إلى بلاد الرافدين:
- الأربعاء 3 مايو: مقتل 100 مسلح في الرمادي. مقتل ثلاثة في موكب محافظ الأنبار. مقتل خمسة في بغداد. العثور على ست جثث مجهولة الهوية في المقدادية، وأربع جثث في الشعلة.
- الخميس 4 مايو: مقتل 101 بينهم 18 متطوعاً في الشرطة في الفلوجة. مقتل 10 على الأقل في الرمادي. العثور على 36 جثة مجهولة في مناطق متفرقة من بغداد وجنوبها. مقتل شرطي في اليوسفية وخطف أربعة من طلبة الجامعة وقتلهم.
- الجمعة 5 مايو: مقتل 13 مدنياً بقصف أميركي على الرمادي. ومقتل 9 في مدينة الصدر بانفجار. وقتل ثلاثة في الحلة، وشيخ عشيرة في اليوسفية، وشرطي في تكريت، وعميد في بغداد، واثنين في الصويرة، وخمسة في المسيّب، وشخص في بلد.
- السبت 6 مايو: مقتل 15 بينهم شرطيان وضابط في هجومين منفصلين. خطف 6 مهندسين في كركوك. ومقتل عضو في بلدية الزبير في البصرة، وشرطي في الديوانية، وجنديين في بلد، وثلاثة مسلحين في سامراء.
- الأحد 7 مايو: سقط 16 قتيلاً بينهم أربعة بريطانيين في البصرة. قتل 3 ضباط عراقيين في تكريت، اثنين من الشرطة في سامراء، خطف ثلاثة مغاوير في بابل. العثور على ست جثث في أنحاء مختلفة من بغداد.
- الاثنين 8 مايو: العثور على 45 جثة في بغداد (28 في الكرخ و15 في الرصافة). قتل في كربلاء 21 شخصاً في انفجار سيارة. وقتل 14 شخصاً في انفجار ثلاث سيارات في بغداد. اغتيال ضابط في الضلوعية، وثلاثة من الشرطة في الموصل. وأحصت وزارة الداخلية نزوح أكثر من مئة ألف لأسباب طائفية ومذهبية منذ فبراير/ شباط الماضي.
- الثلثاء 9 مايو: قتل 18 عراقياً في هجومين منفصلين. عثر على جثة مهندس. وقتل سائق باص في منطقة اليرموك. وقتل شخص يعمل في محل تجاري في شارع فلسطين. واغتيل منسق الأحزاب في بعقوبة. وعثر على تسع جثث مجهولة الهوية في مناطق متفرقة من بغداد.
هذا في أسبوع واحد. وما هو مجهول أكثر مما هو معلوم. مثلاً، كشف تقرير سري للشرطة العراقية أنه يتم العثور أسبوعياً على 300 جثة لمجهولين. كذلك كشفت وزارة الصحة عن وجود 2700 جثة مجهولة الهوية في ثلاجات المستشفيات. وذكر بيان صدر عن نقابة الصحافيين العراقيين أن 101 صحافي عراقي قتلوا منذ الغزو الذي بدأ في أبريل/ نيسان 2003.
يضاف إلى الإحصاء العام سقوط عشرات الضحايا في العمليات البرية أو الغارات الجوية التي تنفذها الطائرات الأميركية. والإحصاء السريع لم يشمل هؤلاء لأنه لا يعرف عددهم. كذلك لم يتطرق الإحصاء إلى عدد قتلى جيوش الاحتلال من الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا وإيطاليا. فالأعداد كبيرة وهي إلى ارتفاع يومياً.
إلى ذلك، يمكن إضافة إحصاءات منفصلة تتحدث عن اغتيالات تطاول أساتذة جامعيين، وأطباء، ومحامين، ومهندسين، وطلبة. فالقتل والخطف على الهوية تحوّل إلى عادة يومية. كذلك العثور على جثث مجهولة الهوية بات من الأخبار العادية. كذلك يتم التكتم على تلك الأنباء التي تتحدث عن نزوح عشرات آلاف الأسر من المناطق الشيعية إلى السنية ومن المناطق السنية إلى الشيعية.
هذه الكوارث التي أعلن انتهاء مسرح عملياتها جورج بوش قبل أكثر من ثلاث سنوات في مايو، تبدو أن أخبارها لا تزعج الرئيس الأميركي. فالرئيس يتحدث باسم التاريخ والمستقبل ولا ينظر إلى الحاضر. فهو «كليم» ينطق بما يمليه عليه الأعلى. أما الأدنى فهو ليس مهماً ولا قيمة له مادام مشروع التقويض يسير وفق خطة «الفوضى البناءة». وبوش كما تظهره المشاهد التلفزيونية ليس مكترثاً، فبرأيه المرأة تستطيع تأخير تمكينها، والشعوب تستطيع انتظار الإصلاح والرخاء، والحكومات يمكن التعامل معها من دون ضرورة لتغيير سلوكها. أما الدول فيبدو أنها سائرة على طريق تعديل حدودها السياسية كما هو حاصل بين طوائف العراق ومناطقه. إنها جريمة كبرى ترتكب بحق شعب العراق. وبوش آخر من يفكر بالكوارث مادام مشروع التقويض يسير على أنغام رؤية «الضربات الاستباقية»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1342 - الثلثاء 09 مايو 2006م الموافق 10 ربيع الثاني 1427هـ