في مساء يومي الخميس والجمعة، يظل أهالي قريتي الديه والسنابس يترقبون ويراقبون الوضع عن كثب، ولعلهم تعودوا على روائح الإطارات التي تحرق بين الفينة والأخرى على بوابة القريتين، وروائح حاويات القمامة التي تستخدم لسد المنافذ، كما أنهم اعتادوا على استنشاق الغازات المسيلة للدموع وسماع الطلقات التي تدوي هنا وهناك، ولا ننسى أصوات «السلندرات» التي أعادت أجواء أزمة التسعينات من جديد إلى الذاكرة.
النداء يأتي كالعادة من المنتديات، ومن مجهول هوية دائماً، يدعو إلى تنظيم صدام بين «الشباب» وبين قوات الأمن لأسباب كثيرة؛ تارة للمطالبة بالإفراج عن معتقلي حوادث المطار، وتارة للمطالبة بالحقوق - ومن يدري عن أي حقوق يتحدث عنها - وأحيانا للمطالبة بالإفراج عن معتقلي حوادث الديه، والقائمة لا تنتهي ودائما ما يجد مرسل النداء حجة لتحريك مشاعر الشباب الذين تعودوا على تلبية النداء.
«الوسط» دخلت عالم الشباب والصغار الذين توجه إليهم أصابع الاتهام في قضايا العنف والحرائق والصدامات التي لا تنفك تندلع في كل أسبوع... لماذا الحرائق؟ ولماذا استهداف قرى شارع البديع؟ ألا يشكل ذلك تهديداً لأهالي القرى الذين تحملوا في حوادث التسعينات ما يكفي؟ وهل يؤيد الشباب حوادث العنف التي تصاحب التظاهرات ليالي الخميس والجمعة؟ أسئلة كثيرة نطرحها على شباب شارك بعضهم في مسيرات تحولت إلى حوادث عنف.
الحرائق و«السلندرات» بين مؤيد ومعارض
من قرية النعيم نبدأ، وهناك تحدثنا مع مجموعة من الشباب بشأن الأوضاع الأمنية، غالبية الشباب تحفظوا وامتنعوا عن الإجابة خشية خضوعهم للمساءلة من الجهات الأمنية، وعدناهم بعدم نشر أسمائهم وصورهم فاستجاب بعضهم... أحد الشباب الذين لم يتجاوزوا السادسة عشرة يؤكد أنه لم يؤيد تحول المسيرات والمظاهرات التي تستهدف بعض قرى شارع البديع إلى حوادث عنف لأن العنف بحسب وجهة نظره لن يجدي نفعا. وقال: «خرجنا في بعض المسيرات التي كانت تطالب بشكل سلمي بالإفراج عن معتقلي المطار، لكن عندما تتحول المسيرة إلى أعمال عنف فإننا نقف في مكان بعيد نتفرج...». أما أحد شباب قرية المصلى فأشار إلى أنه لم يشارك في أعمال العنف، لكنه أكد أن من حق المتظاهرين أن يشعلوا النيران ويحرقوا الإطارات حين لا يجدوا أي طريق آخر.
يعود الشاب من قرية النعيم إلى الحديث من جديد «إن السبب الرئيسي الذي يدفعنا إلى عدم القبول بأعمال العنف هو تضرر أهالي القرى، فنجد أن الشباب لا ينتمون إلى هذه القرى، ويشعلون الإطارات ويهيجون الوضع الأمني ومن ثم يعودون من حيث أتوا ويتركون الأهالي كالمحبوسين». ويواصل «وما فائدة السنلدرات التي تدوي في قرى شارع البديع؟ في السابق كانت السلندرات تستخدم لإخافة قوات الأمن، أما لآن فهي تستخدم لإخافة الأهالي»!
من هم الملثمون؟
سؤال محير، من هم الملثمون؟ هل هم شباب ومراهقون يخفون وجوههم عن الناس؟ أم انهم مندسون يبغون إثارة الفتنة واستفزاز مشاعر الشباب والمراهقين؟... يقول الشاب (أ. ع): «في الحقيقة نحن لا نعرف من هم الملثمون، في بعض الليالي يخرج مجموعة من الشباب في المسيرات، ونرى بعض الوجوه تتغير نظرا إلى الاعتقالات وأسباب لا نعرفها، لكن الملثمين لا يتغيرون، ولا ندري، هل هم مندسون فعلا في المسيرات، وما يرجح هذه النظرية أن الملثمين هم من يقومون بإشعال النيران».
وينوه إلى أن مجموعة كبيرة من صغار السن بدأوا في الانخراط في المسيرات، نظرا إلى وجود نداءات المشاركة في المنتديات وبين الطلبة في المدارس.
أما أحد المراهقين من المنامة، فيؤكد أن الملثمين هم شباب من القرى ولا وجود للمندسين، وإنما وضعوا القناع على وجوههم خوفاً من المخابرات. ويشير إلى عدم وجود أطفال أو صغار كما يشاع هنا وهناك بين المتظاهرين، وإنما هم » مجموعة من الشباب الذين تعبوا من انتظار أي رد فعل حقيقي من جانب الحكومة ولم يجدوا بدّاً من التعامل بالعنف لأنه الطريقة الوحيدة التي ستجعل الحكومة تستجيب للمطالب».
البحث عن قائد روحي...
عندما سألنا الشباب عن التحركات العشوائية، أجمعوا على افتقارهم إلى قائد يؤيد توجهاتهم، وقال أحدهم: «صحيح أن هذا القائد غير موجود حاليا لكنه سيظهر عاجلا أم آجلا».
وعن ضرورة اتباع الجمعيات السياسية التي تقود الشارع والمراجع العلمية التي نبذت العنف بكل صوره، يشير الشاب (م. ج) إلى أن «الشباب بحاجة إلى قادة يفهمونهم ويوجهونهم لا إلى قادة ينبذون تحركاتهم أو يسخفون توجهاتهم».
ويؤكد أحد شباب قرية كرانة أن «على الشباب والمراهقين الذين يشاركون في المسيرات وأعمال العنف أن يعوا خطورة الموقف وإسهامهم في تدهور الوضع في الشارع البحريني، والأهم من ذلك أهمية اتباع القادة ورجال الدين في البحرين الذين نوهوا إلى ضرورة تهدئة الوضع وعدم تأييدهم أي عنف، ومن ثم لا يتصور من يشارك في المسيرات أنه يبحث عن الشهادة مثلا، فرجال الدين أعرف بالوضع وأعلم بمصلحة الناس».
وعن تصريحات وزير الداخلية الأخيرة بشأن السجن المؤبد واستخدام الرصاص الحي، يشير الشاب (م. ج) إلى أن ردع العنف بالعنف لا يحل الأزمة أبدا، وقال: «إذا كانت التصريحات تأتي بعد إحراق سبع سيارات في جزيرة سترة، لنتساءل من يقف وراء هذا العمل ومن ينتفع بحرق سيارات تعود إلى إحدى المؤسسات؟، ولذلك على الحكومة أن تعرف أن هناك مندسين يمارسون هذا العمل للإضرار بأهالي القرى.
الشارع البحريني... إلى أين يسير؟ هل سيشهد تصعيدا جديدا يعيد إلى الذكريات حوادث التسعينات؟ والأخطر من ذلك كله؛ من يوجه الشباب ومن يشعل فتيل الأزمة؟ ومن يبعث بدعوات المسيرات عبر المنتديات ومن يذيعها في المدارس الثانوية والإعدادية؟ وكيف ستتعامل الحكومة مع الوضع إذا ما تعقدت الأمور؟ هل ستستخدم الرصاص الحي في وجوه المتظاهرين وتعود إلى سياسة القمع؟
وبين هذا وذاك، هناك شباب يستنكرون عمليات التخريب والحرق، وهناك شباب أوصلهم اليأس إلى القنوع بما يفعلونه في قرى شارع البديع... هناك شباب يبحثون عن قائد روحي غائب حتى الآن. شباب يؤيدون الحرق وإشعال فتيل الأزمة لكي تلتفت الحكومة إليهم وتصغي إلى مطالبهم، ولكن يبدو أن الأوضاع تسير نحو التعقيد ولا يبقى إلا أن ننتظر
العدد 1342 - الثلثاء 09 مايو 2006م الموافق 10 ربيع الثاني 1427هـ