العدد 1341 - الإثنين 08 مايو 2006م الموافق 09 ربيع الثاني 1427هـ

«خلنا على هرارك»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في معرض الترويج للسياسة الإعلامية الجديدة، حاول وزير الإعلام محمد عبدالغفار إقناع الرأي العام بأن الكفاءات التي انتقاها لتنفيذ سياسة «المصالحة مع المشاهدين» هي مما «تتقاتل عليها الفضائيات»! ولن نناقش الوزير في النوايا والأحلام، فالمسألة ليست مسألة شخصية بل مهنية وأداء و«وطنية» أيضاً.

البرنامج المأسوي «خلنا على بالك» في حلقة الأربعاء الماضي، كان مثالاً فاقعاً لحفز الروح العصبية المقيتة، فضلاً عما كشفه من تدني مستوى الثقافة والكياسة والشعور بالمسئولية الوطنية، بما لا يعكس صورةً حقيقيةً لبحرين اليوم. والنقطة الأخيرة مرضٌ آخذٌ بالانتشار لدى بعض العاملين في المجال الإعلامي، وخصوصاً الصحافة. من هنا سنظل نذكّرهم دائماً بأننا لم نعد نعيش في جزيرةٍ معزولة، فـ «الانترنت» جعلتنا مكشوفين للعالم الخارجي، ومن المسيء جداً أن نكتب أو نبث برنامجاً تتحكم فيه عقلية الأزقة و«الفرجان».

في أيّ بلدٍ محترمٍ لن تجد مذيعاً يهزأ بالعاطلين عن العمل، ولن تجد مواطناً يدعو إلى رحيل مواطن آخر يختلف معه في موقف أو رأي. هذه العنجهية الجاهلية وروح الاستبداد والإقصاء انما تذكّر العالم بجرائم قبائل الهوتو والتوتسي، مع فارق اننا لسنا في مجاهل إفريقيا وانما في أقرب المناطق قرباً من مهبط الوحي والدين الذي يفخر بالمساواة بين العربي والحبشي والرومي.

البرنامج الذي أثار موجاتٍ عنيفةً من الغضب والأعصاب والعصبيات، يفتح المجال لمناقشة الوزير في سياسته الجديدة، وخصوصاً فيما يخص «تقاتل الفضائيات» على كفاءاته المختارة. فمستوى الحلقة وطريقة تقديمها يثبتان افتقار هذه «الكفاءات» إلى الكثير من المؤهلات والكفاءات!

ما نعرفه أن المُحاوِرَ في البرامج الجماهيرية يحتاج إلى ثقافةٍ واطلاع، مثله مثل الصحافي، وإلاّ سيكرر اسطواناته ويسقط في فخ السفسطة و«الهراء». والمُحاوِرُ الماهرُ بحاجةٍ إلى حيادية، ليقف على مسافةٍ من المتحاورين، ويترك الحكم إلى الجمهور، أما المُحاوِر «السوقي» فيصبح ضيفاً ثقيلاً على الجمهور.

المُحاوِرُ بحاجةٍ أيضاً إلى ذوقٍ وأخلاقٍ ولغةٍ مهذبّة، لا أن يشارك بعض فئات الجمهور في انفلاتاتها وعصبياتها وتشنجاتها، فيتحوّل البرنامج إلى حفلةٍ ماجنةٍ من المشاغبة والعربدة على طريقة الـ «هوليغنز»، فيقوّض الثقة والسلم الأهلي.

والمحاوِرُ أخيراً، من المفترض أن يدفع الجمهور إلى التفكير في قضاياه العامة ومناقشة المشكلات بحثاً عن حلول، والإسهام في تكوين رأيٍ عامٍ متنوّر، لا أن يضيف مشكلةً أخرى، أو يروج لأفكارٍ عنصريةٍ متحجّرة تذكّرنا بالبوير في جنوب إفريقيا، أو يدعو إلى عودة قانونٍ أمنيٍ يعرف الجميع أنه كبّل البحرين وأنهك قوى الشعب ومنع المجتمع المدني من ممارسة حياته الطبيعية.

من المحزن أن نكتشف أن بعض الكفاءات «التي تتقاتل عليها الفضائيات»، بحاجةٍ إلى دوراتٍ لتتعلم كيف تنتج برامج جماهيرية على مستوى احترافي محترم، وأن تدير حواراً بلغةٍ مهذّبةٍ، «تبشّر ولا تنفّر»، تقرّب ولا تباعد بين القلوب. وأن تبقى على مسافةٍ من الموضوع، خصوصاً إذا كان حساساً، ولا تتدخل فيه لتحريفه لصالح هذا الجهاز الحكومي أو ذاك.

كلنا نأمل أن تتحقّق أحلام الوزير وطموحاته، لتحقيق المصالحة «الحقيقية» مع المشاهدين، فالإصلاح يحتاج إلى كوادر وطنيةٍ صالحةٍ سليمة الطوية، تفكّر في مصلحة الوطن العليا وتحافظ على سمعته كما تحافظ على ممتلكاتها الشخصية، وهو ما لم يتوافر في البرنامج الأخير، الذي فرض بذاءته و«هراءه» على بال الجمهور... عن طريق الشتائم الصبيانية والمهاترات

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1341 - الإثنين 08 مايو 2006م الموافق 09 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً