الأفكار، أو كما يحب أن يلفظها أصحاب نمط الإدارة المعاصر: Ideas! قابضين راحة اليد مؤشرين نحو السماء. فكأن الفكرة مثل السحابة، عائمة فوق رؤوس الموظفين لم تنزل بعد على الأرض وتصبح ضمن الواقع والزمن الحاضر. وهي كذلك لأن الفكرة مجرد بداية. بداية لنشاط تجاري جديد، بداية لمرحلة جديدة، بداية لثورة قد تغير مجرى التاريخ.
من أبل إلى زيت زيتون، من الديمقراطية إلى الماركسية، من Ameinfo إلى ياهو!، كل هذه الأشياء بدأت كفكرة. وعادة تنبعث الفكرة من مخيلة شخص ما يقوم بالتحدث عنها لزملائه، مسئوليه، أقاربه، أصدقائه، أو شركائه. وهنا تكمن المشكلة، وهي ما يمكن أن تقلص الفكرة إلى مجرد لا شيء أو تحقق منها نجاحاً.
المشكلة هي في خصوصية الفكرة، فهي تتكون في عقل شخص واحد. فنجد في بعض الحالات عدم الرغبة لمشاركة فكرتك مع باقي الناس. الأسباب متعددة، وقد تتراوح بين الخوف من عدم الحصول على التقدير الكافي، أو من مسئول انتهازي قد يسلب كل التقدير لنفسه أو ربما من طمعك أنت لرغبتك في انتساب كل التقدير إلى نفسك.
قد تكون الأفكار ملكنا الخاص، لكن حقيقة الأمر هو إننا لا يمكننا أن نحول هذه الأفكار إلى مشروعات تجارية أو إصلاحية ناجحة إلا إذا قمنا بمشاركتها مع من يمكنه أن يجعلها حقيقةً. ولنقوم بهذا، علينا باختيار الأشخاص المناسبين ليتبنوا أفكارنا ويعملوا معنا يداً بيد في توضيحها وإنجازها. فإذا وجدت مسئولك انتهازياً، ربما حان الوقت للعمل في مكان آخر، وقد تحاول باستقطاب من يؤمن بفكرتك لمساعدتك في تحقيقها.
وآخر شيء على بالك يجب أن يكون من سيكرم لهذه الفكرة. ففكرتك مجرد بذرة. بذرة يضاف إليها الماء والنيتروجين والشمس ويد المزارع لتصبح شجرة مثمرة. فكل من يحتضن فكرتك ويساعدك على تحقيقها هو جزء من النجاح. ففي نهاية المطاف قد تقول إنك من أتى بالفكرة الرائعة، ولكن ما أروع أن تتفوه بأن فكرتك ما كانت لتكون من دون الأفراد الذين بادروا معك في توضيحها وتحويلها من مجرد فكرة إلى ورقة عمل إلى مشروع حي.
الأفكار الرائعة رخيصة، وتفوق عدد سكان الأرض، كما يقال. ما يميز الفكرة التي تتبدد مثل غيوم صيف حار والفكرة التي تتكثف وتمطر وتتحول إلى عاصفة تترك اثرها وثقلها على الأرض هو التعاون. فرواد الأفكار لم ينجزوا أعمالهم بالتخوف وعدم المشاركة، بل حققوا الإنجاز عبر عملهم ضمن فريق يتمتع بمواهب وخبرات مكملة لبعضها بعضاً. ففي المرة المقبلة التي تلهم بها بفكرة رائعة، اعلم بأنها معلقة بالسماء وتحتاج لمن يساعدك لتأتي بها أرضاً
العدد 1340 - الأحد 07 مايو 2006م الموافق 08 ربيع الثاني 1427هـ