تبدأ اليوم مأدبة «العشاء الأخير» في نيويورك بين دول مجلس الأمن لبحث مسألة الملف النووي الإيراني. المعلومات تشير إلى وجود خلافات بين الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا إضافة إلى ألمانيا من جهة أخرى. الصين وروسيا ترفضان مشروع القرار الذي تقدمت به بريطانيا وفرنسا بدعم من أميركا، وتطالبان بتعديل فقرات وردت فيه حتى لا تفسر بأسلوب سلبي يعطي فرصة للتصعيد العسكري.
الصين وروسيا متخوفتان من إمكان استغلال واشنطن لصدور القرار تحت «الفصل السابع» وضمن مهلة زمنية لتنفرد لاحقاً بأخذ سياسة مستقلة عن المظلة الدولية. المشكلة إذاً ليست في حيثيات القرار فقط وإنما أيضاً في البند الذي ستصدر تحته. فالبند يخول الدول الأعضاء إعطاء تفسيرات خاصة تفسح المجال لدولة مثل الولايات المتحدة بالانفراد والدفع باتجاه التصعيد على درجتين: العقوبات ثم المواجهة العسكرية.
هذا الاحتمال غير مستبعد إذا تورطت الصين وروسيا في تمرير مشروع القرار تحت «الفصل السابع». أما إذا انتبهت بكين وموسكو إلى الكمين السياسي الذي تخطط له واشنطن من بعيد فمعنى ذلك أن مجلس الأمن مقبل على مفاوضات قاسية قد تنتهي بعدم الاتفاق وفشل بريطانيا وفرنسا من إصدار القرار.
احتمال الفشل غير مستبعد إذا. وهذا الأمر في حال حصوله فمعنى ذلك أن الدول التي تخطط للتصعيد (العقوبات والحرب) ستصبح في ورطة ليست بعيدة عن تلك الأجواء التي شحنت الفضاء الدولي بالتوتر السياسي خلال فترة التحضير للحرب على العراق في العام .2003
بانتظار جلسات مجلس الأمن يمكن ترسيم بعض معالم الصورة التي أخذت العواصم الأوروبية والأميركية بتلوين زواياها. الولايات المتحدة مثلاً بدأت بترتيب علاقات اجهزة مخابراتها العامة (16 جهازاً) بعد استقالة مدير المخابرات المركزية (سي. آي. أيه) الذي يقال أنه كان ينصح الرئيس الأميركي في تقاريره بعدم اللجوء إلى الخيار العسكري. استقالة بورتر غوس جاءت بضغط من مدير دائرة الاستخبارات جون نيغرو بونتي ولمصلحة وزارة الدفاع (البنتاغون). الاستقالة بحد ذاتها ليست مهمة، فالكل سواسية في العداء للعرب والمسلمين، وإنما أهميتها تكمن في التوقيت الذي جاء عشية البدء في جلسات مأدبة العشاء.
إلى ذلك تتصرف إدارة البيت الأبيض بهامش من الاستقلال النسبي عن الكونغرس لأن جورج بوش يطرح المسألة في سياق الدفاع عن مصالح « إسرائيل» وأمنها وهذه النقطة لا خلاف عليها بين أعضاء هذا المجلس المعروف بتأييده المطلق للدولة العبرية. يضاف إلى هذه النقطة مسألة قانونية وهي ان إدارة بوش نجحت في صيف العام 2004 في استصدار قرار عن الكونغرس يؤيد اتخاذ «كل الإجراءات المناسبة» لمنع إيران من التسلح النووي. وهذا في المنطق القانوني يعطي البيت الأبيض صلاحيات مطلقة للتحرك العسكري تحت بند «الضربة الاستباقية».
هذا من الجانب الأميركي. أما من الجانب الأوروبي وتحديداً البريطاني، يمكن ملاحظة الاتجاه نفسه في حال تم قراءة التعديلات التي أجراها طوني بلير على حكومته قبل يومين من بدء جلسات مأدبة العشاء. فهذا «الملحق الأميركي» استغل خسارة حزبه العمالي بعض مواقعه (256 مقعداً) في الانتخابات البلدية والمحلية لينتقم من وزيري خارجيته ودفاعه مع ان الخسارة لا يتحمل مسئوليتها عادة الوزير المكلف بإدارة شئون بلاده الخارجية أو الدفاعية. فالتعديل طاول جهات غير مسئولة فعلاً عن إيقاع الخسارة في معركة انتخابية داخلية وأبقى الجهات المسئولة في مكانها. وهذا التصرف يكشف عن وجود نزعة عند بلير تتجه نحو التفرد بالقرار الخارجي ومنع وزراء أقوياء من المشاركة أو المعاكسة على توجهات معينة قرر اتخاذها. فالتعديل حصل قبل بدء مفاوضات نيويورك التي تمهد الطريق لمناقشات مجلس الأمن. وهذا ما يزيد من خطورة أبعادها السلبية.
الاستعدادات تبدو جادة أكثر من المتوقع. فالإدارة الأميركية تتحرك وفق معطيات دولية أكثر مرونة من تلك التي كانت موجودة في عشية الحرب على العراق، وكذلك تتصرف بحرية نسبية من جهة تعاملها مع الكونغرس. أما بلير الذي يعاني من أزمات كثيرة فإنه يبدو قرر استكمال خطواته التي بدأها منذ توليه مقاليد السلطة وتتلخص في المزيد من الالتحاق بالسياسة الأميركية واستبعاد كل الرموز القوية في حكومته حتى يطلق يده في الاتجاه الذي يريده بوش.
تبدأ اليوم مأدبة العشاء في نيويورك... ومن الآن حتى تنتهي الوليمة لابد من توقع الكثير من السيناريوهات منها ذاك الذي شهدته المنطقة في العراق
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1340 - الأحد 07 مايو 2006م الموافق 08 ربيع الثاني 1427هـ