اعتاد أبناء هذا الشعب أن يقرأوا لأشخاص معينين شتائم وسبابا باسم مقالات، وأن يتلقى اتهامات وتشكيكات في وطنيته تحت مسمى «تحليلات»، حتى اعتاد يوميا على قراءة كلام بذيء، لا يصدر إلا عن نفوس مريضة ومعقدة. وكل ذلك يمكن هضمه أو الإغماض عنه، لأنه سيبقى محدوداً في إطار الإعلام المكتوب، أما إذا انتقل إلى بث مباشر على الهواء، فتلك فضيحة في حق البحرين، حكومة وشعباً وأرضاً.
«التحليل» المفبرك لا يطلع عليه إلا بضع مئات، والمقال لا يقرأه إلا بضعة آلاف، والقارئ الخارجي نادراً ما يتوقف عند هذا السيل الوضيع من الكتابات في صحافتنا المغرقة في محليتها ونرجسيتها، وبذاءتها أحياناً. لكن عندما تتحول هذه المادة إلى برنامج يبث على الهواء في إذاعة رسمية ناطقة باسم مملكة البحرين، وتتلقى مكالمات مباشرة من الجمهور، وتبثها ليسمعها العالم الخارجي، بما فيها من شتائم وسباب، فتلك وصمةُ عارٍ في جبين البحرين.
يمكنك أن تغمض عينيك عن بعض الكتابات الحمقاء، التي تحاول استيراد النار من العراق وتوريطنا في لعبة تناحر طائفي أحمق، ليلعن كل منا الآخر، ويشتغل كل منا بتكفير جاره، وإخراجه من ملة الإسلام، لكن إذا انتقلت تلك اللغة البذيئة إلى الأثير باسم البحرين فتلك مسبة لا يرضاها شريف لهذا البلد.
يمكنك أيضاً أن تغمض عينيك عن بعض الكلمات النابية في صفحة «القراء»، عندما ينفلت بعض القراء ويندفع في النيل من أبناء الطائفة الأخرى، فقد يقال إنها مساحة خاصة بالقراء تعكس ما يجري ويموج به المجتمع، لكن أن تنتقل تلك التشنجات إلى إذاعة البحرين، فتلك فضيحة، خصوصاً أن الناس هنا موعودون منذ نحو شهر بتدشين سياسة «المصالحة مع المشاهدين»، ولكنهم فوجئوا يوم الأربعاء الماضي ببث برنامج تفوح منه لغة التحريض والكراهية والشتائم والنيل من إحدى الشرائح الأساسية المكونة لهذا الشعب.
مهنياً... ليس من الأدب في شيء أن يستخدم المذيع لغة غير راقية في إدارة دفة الحديث. وليس من أخلاقنا نحن البحرينيين استخدام مثل هذا التنابز والغمز واللمز. وما أبعد روح «المصالحة» عن بث مكالمات مليئة بالسباب والشتائم ما يخجل المرء الكريم من سماعه.
وزير الإعلام مدعو للتحقيق في موضوع الحلقة الإذاعية التي بثت يوم الأربعاء الماضي قبل أن يتسع الفتق على الراتق. ربما كان مشغولاً يومها بمقابلة أعضاء «ايباك» (أكبر لوبي صهيوني داعم لـ «إسرائيل» في الولايات المتحدة الأميركية)، ولم يتسن له سماع هذه «الفضائحيات»، أما وقد عاد فمن واجبه أن يفتح ملفاً للتحقيق، فلم تعد المسألة تختص بصفحة رسائل قراء، ولا عمود يكتبه صحافي عجوز يشارف على مرحلة التخريف، ولا تتعلق بتحليلات مفبركة تفوح منها رائحة التحامل والضغائن الشخصية، وانما أصبحت تمس سمعة البحرين المعروفة بطيبة أهلها وسماحة أخلاقهم ورقة نفوسهم.
وأخيراً... ألا توجد طريقةٌ أكثر رقياً وتأدباً وتحضّراً، يمكن أن يتبعها مخرجٌ أو مذيعٌ ليقول للجمهور: «خلنا على بالك»؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1339 - السبت 06 مايو 2006م الموافق 07 ربيع الثاني 1427هـ