غداً يلتقي وزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا في نيويورك على عشاء عمل مخصص للتداول في الملف الإيراني. وهذا اللقاء يشبه كثيراً «العشاء الأخير» من ناحية كونه سيكشف تلك الأوراق التي تتستر عليها العواصم الكبرى. فالدول ستبحث في مسودة مشروع القرار الذي قدمته فرنسا وبريطانيا بدعم من الولايات المتحدة. والمشروع يراد منه وضع طهران في زاوية حادة لا تستطيع ان تخرج منها سالمة من دون تقديم تنازلات قاسية تتعلق ببرنامج تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية. ويتوقع أن تشهد المفاوضات الدبلوماسية صفقات كبرى تعطي تطمينات للدول المعترضة على العقوبات أو استخدام القوة العسكرية. وحتى الآن لم تتضح معالم تلك الصفقات التي ستقدمها أميركا والدول الأوروبية للصين وروسيا على طاولة العشاء. فالصين مثلاً تربطها علاقات مميزة مع إيران، وروسيا ايضا.
هذه العلاقات الثلاثية تقدر بمليارات الدولارات سنوياً، لذلك يتوقع ان تكون المفاوضات صعبة قبل ان تباشر الصين وروسيا تقديم تنازلات على مأدبة العشاء. فالمصالح المباشرة الخاصة إضافة إلى الجوانب الأمنية والسياسية قوية جداً ويستحيل ان تفرط بها بكين وموسكو من دون مقابل.
المقابل المطلوب تقديمه يتعدى التعويض المادي. فالمسألة أيضاً معنوية ودولية ولها علاقة بتوازن المصالح ومستقبل المنطقة وموقعها الاستراتيجي في معادلة «الشرق الأوسط الكبير». والسؤال هل تتنازل الصين وروسيا عن دوريهما في لعبة يراد منها جرجرة المنطقة إلى مواجهة عسكرية لم يستبعد وقوعها الرئيس الأميركي جورج بوش؟
الإجابة غير واضحة قبل انتقال المناقشات إلى مجلس الأمن الذي يستعد كما يبدو إلى إصدار قرار يتميز بفقرات هادئة ولكنها تقع تحت «الفصل السابع» وضمن مهلة زمنية. وهذا الأمر في حال حصل تكون إيران خسرت جولة في معركتها الدبلوماسية.
حتى الآن لم تنته المعركة الدبلوماسية وبإمكان طهران كسبها أو التقليل من خسائرها إذا ضغطت من خلال حليفيها الصيني والروسي على منع صدور القرار تحت «الفصل السابع» وضمن مهلة زمنية.
الخطة الأميركية لاتزال حتى الآن تتبع سياسة المهادنة والخداع مستخدمة اسلوب الاختباء وراء الموقف الأوروبي بذريعة أن الملف الإيراني يشكل خطراً على «إسرائيل» والقارة وبالتالي فإنها معنية به لأنها حريصة على مصالح وأمن الدول التي تربطها بها علاقات خاصة ومميزة.
هذه الخطة كما يبدو لاتزال تشكل حجر الزاوية في اللعبة الأميركية. فواشنطن معنية مباشرة وهي تخطط على نقل الملف إلى درجة عالية من السخونة. وهذا الأمر لا يتحقق إذا لم تتوفق إدارة البيت الأبيض في وضع فقرات مشروع القرار على نار «الفصل السابع» وضمن مهلة زمنية. فالفصل السابع يفتح أمام واشنطن الباب لمزيد من التأويلات الخاصة لكل فقرة من المشروع. كذلك تعطي المهلة الزمنية المحددة فرصة للولايات المتحدة لبناء هجومها الاستراتيجي المضاد تحت ذريعة أن طهران تخالف الإرادة الدولية وتعارض توافق الدول الكبرى.
الخطة الأميركية واضحة في معالمها على رغم حرص واشنطن على إخفاء ورقتها الحقيقية خلال «مأدبة العشاء» التي تبدأ غداً. فالولايات المتحدة تستخدم بريطانيا وفرنسا وألمانيا لتغطية هواجسها. كذلك ترسل إشارات تطمين لموسكو وبكين توحي بأنها لا تريد تصعيد الموقف أو استغلال مشروع القرار. اضافة إلى ذلك تحاول واشنطن شراء السكوت الروسي - الصيني من خلال صوغ فقرات هادئة ولكنها تشترط أن تصدر تحت «الفصل السابع» وضمن مهلة زمنية. وهذا بالضبط هو الكمين السياسي الذي تخطط إدارة البيت الأبيض له للايقاع بالقيادتين الروسية والصينية.
إذا، فقرات القرار الدولي التي ستتداولها الدول الدائمة العضوية يرجح أن تكون مرنة لفظياً ولكنها تكتسب قوة قانونية صلبة في حال نجحت واشنطن في تمريرها وفق الصيغة الدولية التي تخطط لها. وهذا ما يجب أن تنتبه له قيادة طهران وتسارع إلى الضغط لتجنب وقوعه.
إيران حتى الآن لم تخسر معركتها الدبلوماسية وتملك أوراق مناورة بشرط ان تقدم تنازلات لابد ان تكون قاسية ولكنها كافية لقطع الطريق أمام أميركا. فالمطلوب الآن افشال دول مجلس الأمن من تمرير مشروع دولي مرن تحت «فصل» يعطي أفضلية قانونية للولايات المتحدة لتفسير فقراته وفق السيناريو الذي تخطط له. والافشال لا ينجح إذا لم تبادر طهران إلى وضع الملف في سياق إعادة التفاوض مع موسكو على موضوع التخصيب في الأراضي الروسية. وهذا ما اشار إليه الكرمكلين حين أبدى استعداده لإعادة الملف إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا وافقت إيران على تجميد مشروعها ونقله إلى روسيا.
هذا التنازل الصعب كما يبدو تصر عليه موسكو كشرط لمنع تمرير مشروع القرار الدولي. والخوف يبدأ حين لا تحصل روسيا على التنازل الإيراني وتذهب إلى مجلس الأمن وتكتفي بالامتناع عن التصويت بدلاً من استخدام حق النقض (الفيتو).
غداً تبدأ مأدبة «العشاء الأخيرة»، والمشكلة حتى الآن لم تتضح معالمها الأخيرة. فهناك فرصة لقلب الطاولة وهناك أيضاً سلسلة أوراق لم تكشف عنها الولايات المتحدة. وبانتظار المداولات في مجلس الأمن تستطيع طهران أن تعطل الكثير من تلك الأوراق قبل أيام من تحولها إلى «ألغام»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1339 - السبت 06 مايو 2006م الموافق 07 ربيع الثاني 1427هـ