زيارة وزير خارجية الصين الشعبية تشن شي شن إلى البحرين يومي 18 و19 - 1990 كانت زيارة ناجحة بكل المقاييس، اذ جاءت بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أبريل/ نيسان 1989، ولتدشن علاقات البحرين الدبلوماسية مع جمهورية الصين الشيوعية. القيادة السياسية في البحرين احتفت بالوزير الأحمر أيما احتفاء، وفتحت ذراعيها لأي تعاون في مجال السياسة والاقتصاد والاستثمار.
وإن مايعنينا من هذه الزيارة هو المؤتمر الصحافي في ختامها والذي دعا إليه الوزير الصيني في مقر إقامته في فندق الريجنسي وحرص المسئولون في وزارة الخارجية وبالتنسيق مع وزارة الإعلام كل الحرص على إحاطة هذا المؤتمر بكل أسباب النجاح، تاركين مطلق الحرية للصحافيين في الصحف المحلية والعربية بل و الدولية طرح مايشاءون من أسئلة على الضيف الصيني الكريم، في بداية المؤتمر الصحافي قال الوزير الصيني إن مباحثاته على مختلف المستويات كانت بناءة و ناجحة، وتحدث عن ارتياح الصين التام لوقف الحرب العراقية الإيرانية في العام 1988 بعد ثماني سنوات من التدمير، وآلاف الضحايا من الجانبين، وأدان الهجرة اليهودية من روسيا إلى «إسرائيل». وأبدى معارضة حكومته الشديدة للاستيطان اليهودي الجديد في فلسطين، وإن حكومته تبذل جهوداً مكثفة للمساعي السلمية لحل النزاع العربي الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المرتقبة، وأجاب بصراحة تامة لماذا انهارت الأنظمة الشيوعية في روسيا ودول أوروبا الشرقية، بينما بقي النظام الشيوعي في الصين قوياً وصامداً. وقال إن الصين نهجت سياسة الانفتاح الاقتصادي على العالم في نهاية السبعينات من القرن العشرين وحققت تقدماً اقتصادياً بارزاً وتضاعف إنتاجها الصناعي ليصبح منافساً للدول الصناعية المتقدمة.
وقال إن الصين تولي اهتماماً كبيراً للتماسك الاجتماعي وتعطيه جل رعايتها، وهو من الثوابت القوية في سياستها. وإنها لن تسمح بأي اضطرابات سياسية أو قلاقل أمنية من شأنها أن تمس مصالح الناس واستقرارهم الأمني و المعيشي.
ويولي الحزب الشيوعي الصيني اهتمامه بالتنمية البشرية والإنسانية ويحرص على الوحدة الوطنية، ومن ناحية أخرى لم يفرض على الصحافيين من البحرين أو خارجها توجيه أية أسئلة معينة أو محددة، فقد بادر الصحافي سامي كمال من صحيفة «الأضواء» بتوجيه سؤال استفزازي عن أوضاع الأقلية المسلمة في الصين وخصوصاً في إقليم سنجيان، والذي يطلق عليه «تركستان الشرقية» ذو الغالبية المسلمة. وأردف قائلاً إن هؤلاء المسلمين يتعرضون للاضطهاد والمذابح الجماعية، إلا أن كل هذا لم يمنع هؤلاء المسلمين من السعي إلى إقامة دولتهم المستقلة. إلا أن الوزير الصيني من فوق المنصة التي كان يجلس عليها أجاب بدبلوماسيته الهادئة و المتزنة والتي اكتسبها عبر سنوات طويلة من العمل والخبرة، وبعيداً عن أي انفعال أو غضب والتي تضمنتها أسئلة الصحافي، أجاب أن هذا الإقليم يتمتع بحكم ذاتي تام، ونفى نفياً قاطعاً كل ما ذكره، وقال إذا كان هناك مثل هذا الاضطهاد والانتهاك لحقوق هذه الأقلية المسلمة فعليك أن تسأل سفير البحرين في الصين، وأشار اليّ وكنت أجلس في صفوف الصحافيين، وهكذا رمى الكرة في ملعبنا بكل جدارة ومهارة فأنا لم أتوقع مثل هذا السؤال وما فيه من إثارة واستغلال لحرية الرأي كما دهش المسئولون في وزارتي الخارجية والإعلام لما حدث.
ومن المعروف أن وزارة الإعلام وكنت عملت فيها لمدة عشر سنوات خلت، لاتفرض رقابة شديدة أو مسبقة على الصحافيين في تحديد أسئلتهم أو عرضها عليها، وهناك اهتمام بالرقابة الذاتية وأن يمارس الصحافيون حرياتهم المشروعة لخدمة قضايا السياسة والتنمية والاقتصاد وأنا على يقين أن الرأي العام العربي دائماً يتوق إلى الحقيقة والشفافية والصراحة البناءة وبعيداً عن التهويل والتزويق والإثارة. وللصحافة رسالة إنسانية وتنويرية وتوعوية سامية لإحاطة الناس بالحقائق الكبرى و كسب الرأي العام على أسس من الصدق وتماشياً مع أخلاقيات المهنة الصحافية المشروعة، والدفاع عن قضايا الأمة والدعوة إلى الإصلاح والتحديث والتواصل الحضاري مع الثقافات الأخرى، كل هذا في إطار من التغطية الإعلامية الجيدة والمشاركة الفعالة.
وأخيراً على الحكومات المسيطرة على وسائل الإعلام المختلفة أن تكون قدوة ومثالاً في الصدقية وتنوير الرأي العام، وأن يكون الإعلام رافداً في بناء إعلام صادق والتصدي للمشكلات والمعوقات التي يواجهها الإعلام العربي اليوم.
كاتب بحريني وسفير سابق
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1339 - السبت 06 مايو 2006م الموافق 07 ربيع الثاني 1427هـ