العدد 1338 - الجمعة 05 مايو 2006م الموافق 06 ربيع الثاني 1427هـ

وهم القداسة... في مواجهة الحريات

عثمان الماجد comments [at] alwasatnews.com

-

يبدو أن لقب صاحب السعادة النائب لا يناسب بعض نوابنا الأفاضل من تيار الإسلام السياسي ولا يرقى إلى درجة إشباع غريزتهم التسلطية المتمثلة في «افعل هذا واترك ذاك، وهذا يجوز وذلك لا»، تأسيسا على فهم نسبي لقيمتي الفضيلة والرذيلة، فليس قريبا أو مستبعدا أن تعلو المشهد سلوكات طفقت بالديمقراطية وشاع ضيقها بمساحة الحرية الحالية والتي، بطبيعة الحال، تفسح المجال لمطالبات مجتمعية لاحقة بتوسيع هامشها لتعطي المشروع الإصلاحي زخما يرتفع به إلى تحقيق ما يصبو إليه المواطن، ويلامس حياته المعيشية، ويخرجه من دائرة السؤال الحارق الذي بات يشكل حرجا حقيقيا للمشروع الإصلاحي الذي خلق أملا تحالفت معه قوى المجتمع الحية وتوحدت لإعادة رسم خط الحياة بما ينسجم مع تطلعات القيادة والشعب بعد ردح من الزمن تصلبت فيه شرايين تلك الحياة لتعارض مسارات الرغبة وتناقض المصالح وبات العيش وفقا للقديم غير ممكن والاستمرار بما هو كائن غير مجد، فجاء المشروع الإصلاحي لجلالة الملك ليحرك الدماء في مجاريها. والسؤال الذي يجري على ألسنة المواطنين هو: ما الذي أعطتنا إياه الإصلاحات السياسية؟ وتبدو الإجابة على هكذا سؤال في طي الغيب إذا ما سار الأداء على هذا النحو من الضعف، أو الأداء الذي ينتظر محرضات ليغدو فاعلا، محرضات كالتي نشهدها هذه الأيام المتبقية من عمر المجلس، والتي يبشر بها كل نائب بتجويد أدائه، وتحسين صورته، على أمل كسب صوت ناخبه في الانتخابات التشريعية القادمة.

وعودة إلى ما أشرت إليه عن مساحة الحرية أقول، إنها لا يمكن أن تكون في راهنها مناسبة لكل زمان، إذ إن الحال السياسية والثقافية تقتضي التطوير والارتقاء انسجاما مع معطيات التجربة لتجاوز العراقيل التي تحد من الشفافية وتداول المعلومات بحرية، وصولا إلى مراتع الفساد الإداري والمالي الذي هو آفة الآفات المعوقة لمسيرة الإصلاح والتقدم. وما حال الشد والجذب في مجلس النواب وما يضفيه عليها هذا النقاش والجدل المجتمعي بشأن قانون الصحافة، إلا أحد تجليات هذه المطالبات. فحرية الرأي والمعتقد أحد المؤشرات التي يقاس في ضوئها مستوى الديمقراطية، كما أن الديمقراطية هي التي تحمي الحريات بأشكالها كافة.

والنواب الإسلاميون، في اعتقادي، وبناء على طبيعة الأداء المتسم في جله بالطقوسية الدينية، وصلوا إلى المجلس التشريعي لا ليكتفوا بلقب صاحب السعادة ولكن، أيضا، لإضفاء بعض من قداسة على وجودهم الاجتماعي، والتي تحصنهم عن المساءلة في محاكاة كنسية قروسطية حينما كان رجل الدين الكاثوليكي يوجه الدولة ويشرف على سير العلوم والثقافة ويضع ختم رضاه على منتجها، فضلا عن سلوكهم داخل المجلس، الذي لا ينم إلا عن إسراف في مقاتلة الحرية و«الاستشهاد» في سبيل قبرها من خلال الديمقراطية التي هي أداة تنميتها ولازمة استمرارها، وذلك من خلال التدخل الفج في حريات الناس وأذواقهم، والتي نظن أن وقت وقفهم أو الحد من تدخلاتهم في ذلك لا يبدو في الأفق المنظور، وذلك بسبب الجهل الذي يضرب بأطنابه في المجتمعات العربية والإسلامية. ولن تستطيع قوى التقدم من ليبراليين وديمقراطيين وقوى إسلامية منفتحة من التأثير في الجماهير إلا إذا استطاعت أن تحصل على نتيجة لعملها المضني في أوساط الفئات الشعبية، وتنتشلها من فوضى الخلط بين نقد الإسلاميين من حيث إظهار مواضع الخلل في الأداء، وبين نقد الإسلام، إذ إن الفرق بين الاثنين جد واضح. عندها فقط يمكن الحديث عن تفكيك هذا التأييد الجارف الذي يتمتعون به، إذ إنه، في اعتقادي، تكمن قوة تأثيرهم في اتساع رقعة الجهل بالفرق بين نقد أداء الإسلاميين ونقد الدين، الذي يجير الإسلاميون، تعسفا، انتقادات القوى الليبرالية لأدائها بأنه موجه ضد الإسلام الذي هو ضد النقد. فيا ترى، هل نحن قادرون على إعادة هندسة وعي الناس بما يتناسب ومرحلة الانفتاح التي يعيشها مجتمعنا، ورسم خريطة طريق أخرى لفهم جديد عن القوى السياسية تسهل عملية انتقال الأفراد من فهم إلى فهم آخر؟!

شخصياً، لم تكن توقعاتي فيما سبق الانتخابات التشريعية لترتفع عنها بعدها، فيما يتعلق بفهم الإسلام السياسي للديمقراطية وحرية التعبير، إذ إنها ظلت متطابقة سواء قبل الانتخابات أو بعدها، إن لم يكن قد أظهرت، فيما بعد، كراهية أشد وأوضح تجاه الآخر المختلف. تأسس دخول تيار الإسلام السياسي، والسلفيين منهم على وجه الدقة والخصوص، على قاعدة إقصاء المختلف وذلك بدا منذ اليوم الأول للإعلان عن الانتخابات النيابية على لسان أحدهم، حينما قال ما معناه إن مشاركتهم في العملية السياسية هي للحد من سيطرة العلمانيين. وإذا كان ذلك التصريح يحمل شيئا من حق في المنافسة فإنه لا يعبر عن دفع باتجاه الرقي بالممارسة من خلال كسب الرأي العام بالدفاع عن حقوقه وتعميق مكتسباته الديمقراطية، بل راحوا يشغلون المجلس بأدوار ليست من صميم عمله، وذلك ما أضفى على عمل المجلس مناخا جره إلى مناقشات تناولت الشأن الديني (اللحى، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إغلاق المحلات التجارية في يوم الجمعة، قطع يد السارق، وغيرها) والسياسي (كل تداعيات الحرب في العراق، حتى بدا شبح الطائفية يخيم على البحرين، والقضية الفلسطينية، فترة وصول حماس إلى السلطة، وغيرها). والمسألة الوحيدة التي بقيت في منأى عن اهتمام واضح، إلا في ما ندر وبملامسات عابرة، هي مسألة تحسين الأحوال المعيشية للمواطن، الذي بدا محقا في سؤاله عما الذي أعطاه إياه المشروع الإصلاحي لجلالة الملك؟ وهذا يسأل عنه كل النواب الذين جاءوا إلى البرلمان بمحض إرادتك أيها الناخب، فتثبت وتأنى قبل أن تعطي صوتك في الانتخابات المقبلة، لتحظى بمجلس تشريعي يسعى إلى تحسين أحوالك المعيشية، لا أن يرتزق بصوتك. في حين يبقى المشروع الإصلاحي لجلالة الملك هو بارقة الأمل، والذي ينبغي التمسك به، والعمل على تطوير الأداء النيابي والحزبي للخروج من المآزق الاقتصادية والأمنية التي يعمل البعض على تأجيجها لضيق في مساحة حرية الرأي والتعبير التي تكشف الفساد والمفسدين

العدد 1338 - الجمعة 05 مايو 2006م الموافق 06 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً