طلبت الحكومة اللبنانية من هيئة الأمم المتحدة التمديد لفترة جديدة للجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وهذا التمديد الجديد سبقه أكثر من تمديد لمهمة اللجنة، وإذا كانت الحقيقة الكاملة والتي لا يكتنفها أي غموض مطلباً شعبياً قبل أن يكون مطلباً رسمياً في الكشف عمن اغتالوا الحريري، فإن التمديد في حد ذاته في لبنان بات من المسلمات غير المثيرة للاهتمام.
كان التمديد لولاية جديدة للرئيس بشارة الخوري العام 1949 أول انقلاب علني ابيض على الديمقراطية الوليدة وقتذاك «والديمقراطية اللبنانية بالمناسبة حساسة إلى أبعد الحدود ولا تحتمل أي مجازفات أو مغامرات»، ومنذ ذلك الوقت باتت الرغبة جامحة لدى كل رئيس في تمديد ولايته وهذه الرغبة الجمهورية تتبعها رغبة نيابية تبدأ من رئيس المجلس وتنتهي عند الموظفين وليس النواب وحدهم في التمديد.
وإذا كانت الحرب اللبنانية بين عامي 1975 و1991 فرضت على المجلس النيابي المنتخب العام 1972 التمديد لنفسه مرات عدة حتى العام 1992، فإن المجلس السابق مدد لنفسه ثمانية أشهر بالتمام والكمال. والرئيس السابق للجمهورية إلياس الهراوي مددت ولايته في العام 1995 ثلاث سنوات وبمباركة من غالبية أعضاء المجلس النيابي وقتذاك، وتبعه في التمديد خلفه الرئيس الحالي للجمهورية الجنرال اميل لحود، الذي اكتنف التمديد له نصف ولاية الكثير من اللغط والمعارضة التي لم تستكن حتى هذه اللحظة، وهو على رغم ذلك مصر على إكمال ولايته الممددة.
التمديد بات عادة لبنانية أصيلة ولأن المثل يقول «من عاشر القوم أربعين صار منهم أو رحل عنهم» ها هي قوات الطوارئ الدولية المنتشرة في جنوب لبنان منذ العام 1978 صارت من القوم اللبناني ويمدد لها كل ستة أشهر حتى اليوم، ولم تظهر في الأفق بعد أي بوادر لانسحاب هذه القوات واقفال الملف الذي فتحته الاعتداءات الاسرائيلية منذ العام 1948 وأدى إلى الاجتياح الأول في مارس/ آذار 1978 وتبعه الغزو في يونيو/ حزيران 1982، وانتهى وجود القوات الاسرائيلية في معظم المناطق اللبنانية المحتلة باندحارها في مايو/ أيار 2000 جراء ضربات المقاومة. نقول لا إشارات في الأفق توحي متى تنسحب القوات الدولية من جنوب لبنان والتي باتت معتادة على التمديد. (بالمناسبة المصاهرة تنتج تزواجا في العادات والتقاليد وربما تكون كثرة الزواجات التي حصلت بين بنات من القرى والبلدات اللبنانية المنتشرة فيها قوات الطوارئ وجنود القبعات الزرق أحد العوامل في التمديد لهذه القوات).
في الواقع يعتبر أي تمديد في لبنان إطالة للأزمة الداخلية في هذا البلد، ولأن لبنان يعتبر مختبر المنطقة نتيجة التنوع الذي يحويه فإن المختبر يحتاج دائما إلى مواد اختبار، ومن هنا كانت المصلحة واضحة في الاستمرار في إطالة أمد التوتر على الحدود مع فلسطين المحتلة بانتظار ما يمكن أن تؤدي إليه حركة الحوادث. وإذا كانت المقاومة الوطنية اللبنانية أفسدت في العام 1982 البقاء الاسرائيلي في العاصمة بيروت وأجبرت القوات «الاسرائيلية» في العام 1985 على الانسحاب إلى ما كان يعرف بالشريط الحدودي، وأكملت المقاومة الاسلامية الاجهاز على الاحتلال واستطاعت تحقيق النصر، نقول إذا كان ذلك أفسد في مرحلة سابقة الاختبارت التي كانت تجرى على لبنان تمهيدا لتسويقها في المنطقة، فإن المرحلة الحالية تمثل أهمية بالغة بالنسبة للاعبين الكبار على الساحة الاقليمية، إذ إن الويات المتحدة الأميركية تعتبر الآن لبنان الساحة التي يمكن من خلالها تسويق مشروعاتها كافة وليس العراق الملتهب والغارق في المجازر، لأن التسويات تحتاج إلى هدوء لصوغها وليس أفضل من لبنان مكانا للصوغ التي تجري على طاولة مستديرة في مجلس النواب. فحوار الأطراف في لبنان هو في شكل أو آخر حوار الأفرقاء كافة في المنطقة بدءا من تل أبيب ومرورا بدمشق وانعطافا على طهران، ويتعدى المنطقة حتى يصل إلى واشنطن، إذ بنظرة واحدة إلى الأطراف المشاركة في الحوار وقراءة الارتباطات السياسية الماضية والراهنة لكل منها نعرف من يحاور من على الطاولة اللبنانية.
الحوار اللبناني - اللبناني الآن يمدد له عبر التأجيل بين الحين والآخر وذلك بانتظار كيف ستكون اتجاهات الريح في المنطقة بعد أن تهدأ عاصفة البرنامج النووي الايراني وتعرف واشنطن على «أية مخدة تنام» (بحسب التعبير اللبناني الدارج). والواضح أن المنتظرين مع الولايات المتحدة في لبنان والمنطقة باتوا أكثر حاجة للاستقرار من واشنطن المنشغلة الآن في اقناع الصين وروسيا بالانضمام إلى معسكر الحل العسكري للازمة الايرانية والمنشغلة أكثر في البحث عن تخفيف التوتر في أسعار النفط حتى لا تزيد أكثر المديونية الأميركية وترتفع أكثر صرخة البطالة والركود الاقتصادي جراء ارتفاع أسعار النفط عالميا.
كل ذلك يجعل من لبنان ساحة فضلى للانتظار المتمثل في التمديد لكل شيء بدءا من قوات الطوارئ وانتهاء باللجنة الدولية للتحقيق، وبات الخوف الآن اكبر من أي وقت مضى أن يضيع دم الرئيس الحريري في دهاليز التسويات أو التمديد، ولاسيما إذا صدق المحلل الالماني يورغن كين كولبل في كتابه عن قضية اغتيال الحريري الذي اتهم فيه الموساد الاسرائيلي باغتياله وليس سورية، إذ إن كل الجرائم التي ارتكبها الموساد في لبنان إما كانت تطوى بقدرة قادر أو كانت تضيع في التسويف السياسي.
يبقى السؤال: هل كتب على لبنان أن يكون التمديد قرينه يرافقه كظله؟
العدد 1338 - الجمعة 05 مايو 2006م الموافق 06 ربيع الثاني 1427هـ