العدد 1338 - الجمعة 05 مايو 2006م الموافق 06 ربيع الثاني 1427هـ

اتجاهات تستحق المراقبة 22

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نواصل في هذه الحلقة الثانية من الدراسة التي كتبها اثنان من مستشاري شركة مكنزي ما تبقى من اتجاهات التغيير في الجوانب الاجتماعية والبيئية، ثم ننهيها بالتعرض لاتجاهات الصناعة والأعمال.

5 تغير معايير حلبة المهارات والمواهب، سيكون التحول المستمر في العمل والمواهب أعمق من مجرد الهجرة نحو الدول ذات اليد العاملة الرخيصة. فالتحول نحو الصناعة التي تحتاج إلى معرفة مكثفة ستلقي الضوء على ندرة اليد العاملة الماهرة المؤهلة. كما أن انفتاح أسواق العمل على نطاق عالمي سيكشف عن مصادر جديدة لمثل تلك المهارات. إذ سيكون عدد الـ 33 مليون شاب محترف وموهوب من خريجي الجامعات التي ستوفرها أسواق الدول النامية ضعف ذلك العدد الذي سيكون متوفرا في الدول المتطورة.

6 تزايد وضع أداء وسلوك الأعمال الضخمة تحت المجهر، فنظرا لتوسع تلك الأعمال على نطاق عالمي، ومع تزايد إلحاح العالم على التقيد بمواصفات ومقاييس الحفاظ على البيئة، فمن الطبيعي أن ينجم عن ذلك تزايد شك المجتمع في الأعمال الكبيرة. ومصدر كل ذلك هو أن مفاهيم نشاط الأعمال الكبيرة على نطاق عالمي ليست مستوعبة على النطاق الذي تتطلبه تلك الأعمال. مفاهيم من نمط: قيم حملة الأسهم، حرية التبادل التجاري، حقوق الملكية الفكرية، هذه إذا وضعنا جانبا أن بعضاً منها لايزال غير مقبول من الأساس في الكثير من بلدان العالم. لذا فمن المتوقع أن تستمر الفضائح والحوادث المؤلمة وتحتل حيزا أكبر من المتوقع، الأمر الذي سيشعل فتيل ضغائن سياسية، وهو ما سيفرز ردود فعل سياسية أيضا.

لذا، فليس من المتوقع ان تحظى الأعمال، وخصوصا الأعمال الكبيرة بالترحيب الذي تتوقعه أو تبحث عنه. ومن هنا سيجد رؤساء تلك الأعمال أنفسهم، إن هم أرادوا النجاح، مضطرين؛ لأن يناقشوا ويثبتوا مصداقية مساهمة أنشطتهم في تطور والدفاع عن مصالح المجتمعات التي ينشطون فيها.

7 ازدياد الطلب على المصادر الطبيعية، مع زيادة تحديدات التقيد بالمعايير البيئية، فمع ازدياد سرعة عجلة نمو الأسواق، وخصوصاً تلك الناشئة منها، ومن ثم اقتصادياتها، سترتفع وتيرة استهلاك المصادر الطبيعية على نحو غير متوقع. فالطلب على النفط الخام، على سبيل المثال، سينمو بمعدل 50 في المئة خلال العقدين المقبلين. وسيتم ذلك من دون اكتشاف مصادر جديدة وبكميات كبيرة من جهة، ومن دون ابتكارات جذرية في مصادر التزويد من جهة أخرى، كل ذلك سيكون محصلته الفشل في تأمين كميات التزويد المطلوبة. والأمر ذاته ينطبق على سلع أخرى. فطلبات الصين وحدها من النحاس، والحديد والألمنيوم، على سبيل المثال، ارتفعت بمعدل ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي. أن مصادر العالم الطبيعية في تناقص مستمر، وهي مسألة ينتج عنها المزيد من العقبات أمام تطور العالم برمته. شحة المياه على سبيل المثال باتت من العقبات الرئيسية التي تواجه تطور أي مجتمع بغض النظر عن درجة تطور اقتصادياته. وأكثر مواردنا الطبيعية شحة هي الغلاف الجوي المحيط بنا، والذي يتطلب الحفاظ عليه، تحول دراماتيكي في سلوك الإنسان تحاشيا لنضوبه. ومما لاشك فيه أن الابتكارات التكنولوجية، والقوانين والأنظمة، وحسن استخدام المصادر الطبيعية، جميعها من الأمور التي ستكون محور اهتمامات العالم من أجل خلق عناصر تدفع عجلة الاقتصاد من جهة وتحافظ على البيئة والمصادر الطبيعية من جهة ثانية.

إتجاهات الصناعة والأعمال

وأخيرا، يصل التقرير لتحديد التحولات التي ستشهدها الأعمال والصناعة، وتلك التحولات التي بدأت من رصد الكليات (الماكرو) إلى الدخول في تفاصيل الجزئيات (المايكرو). هذا الأمر يوصلنا إلى مستوى تحديد العناصر الكامنة وراء التحولات التي ستشهدها، أو يفترض أن تشهدها الشركات.

8 بروز هيكلية صناعية عالمية جديدة، فالاستجابة للتحولات في أنظمة الأسواق العالمية، ونظرا لحلول تقنيات جديدة مبتكرة، فمن الطبيعي أن تنتعش وتزدهر نماذج أعمال غير تقليدية ومختلفة عن تلك التي دأبنا على السماع عنها. وفي بعض الحالات سنشاهد تعايشهما سوية في السوق الواحدة ذاتها، أو حتى في القطاع ذاته من الصناعة أو الأعمال.

وفي كثير من الصناعات سوف نشاهد ما يمكن ان نطلق عليه الهيكلية القابلة للامتداد والتوسع والزيادة من الجهتين (مثل قضيب حمل الأثقال)، لكنها ضخمة عند الطرف الأعلى فقط ورشيقة في الوسط، وذات سرعة عالية عند القاعدة. وعلى المنوال نفسه، سنجد الأمر يتكرر في هيكلية المؤسسات، إذ سنرى بهتان الحدود بينها وفي داخلها إلى درجة التلاشي؛ نظرا لتداخل الترابط بين أنظمتها وهياكلها سواء أكان ذلك عند شركات الإنتاج أم التزويد أم الشراء. الأمر بات يمس حتى الفرضيات الأساسية ويغير من قوانينها وآلياتها مثل ملكية تمويل تأسيس الشركات ودورة حياة الرأسمال فيها، والتوقعات المرسومة لأداء وأنشطة تلك الشركات. والفوز سيكون من نصيب تلك الشركات التي تستفيد من وتستخدم المكاسب الناجمة عما توفره الهيكليات الجديدة، وتبني حدودها على تلك التحولات الهيكلية.

9 تحول الإدارة من النطاق الأدبي إلى المحور العلمي، فنظرا للتضخم الذي طرأ على حجم الشركات والتعقيدات التي استجدت عليها، بات الأمر يتطلب أدوات جديدة لإدارة تلك الشركات. فمن الضرورة بمكان التأكيد على أن التحسينات التي عرفتها التكنولوجيا، إلى جانب أدوات إحصاءات التحكم والمراقبة، قد فتحت الأبواب أمام عهد جديد من المقاربات لبناء وإدارة وتشغيل شركات عملاقة عابرة للحدود. وداعا لتلك الأيام التي كانت فيها أنماط الإدارة تنطلق من الشعور الغريزي الداخلي. فاليوم، يلجأ قادة الأعمال إلى آليات لوغاريثمات معقدة لاتخاذ القرارات الاستراتيجية، يستخدمون فيها برمجيات متطورة من أجل إدارة تلك المؤسسات والارتقاء بأدائها.

فالإدارة العلمية تتجه الآن من المهارات التي تخلق التقدم على الشركات الأخرى المنافسة، نحو تلك التي تعطيها قصب السبق وأخذ زمام المبادرة في أي مشروع تنافسي.

10 الولوج العميق الدقيق والغزير للمعلومات، يؤدي بالضرورة إلى تغيير اقتصاديات المعرفة. فالمعرفة ستتوفر من دون أي شك، لكنها في الوقت ذاته ستكون في غاية التخصص. والتمظهر المباشر الذي يعبر عن هذا الاتجاه ويعكسه هو بزوغ محركات البحث (غوغل أسطع مثال على ذلك) التي باتت تبيح إمكانات مطلقة غير محدودة وآنية للوصول إلى المعلومة.

لقد بات الوصول إلى المعلومة ذا طابع عالمي، لذلك يبقى التحول أكثر عمقاً من مجرد الوصول الأفقي ( بالمعنى العريض) للمعلومات. وتطفو اليوم إلى السطح نماذج جديدة لإنتاج المعرفة الولوج إليها وتوزيعها، إضافة إلى تحديد ملكيتها. لقد بتنا اليوم نرى تطوير المصادر المفتوحة (open-source) للبرمجيات التي تتحلق حولها مجتمعات بدلا من الأفراد وتقوم بدورها في الابتكار وإنتاج المعرفة إلى جانب نموها وتوسعها الذاتيين. وهذه أمور بتنا نشهدها في اتساع نطاق طلبات تسجيل براءات الاختراع التي زاد عددها خلال الفترة بين 1990 و2004 بمعدل 20 في المئة. لقد باتت الشركات بحاجة إلى تعلم كيفية الارتقاء بعالم المعرفة هذا الذي تتدفق منه كميات ضخمة من المعلومات.

وفي نهاية المطالب يطالب تقرير مكنزي الشركات بفهم انعكاسات مثل هذه الاتجاهات سوية مع التطورات المترافقة معها على مستوى الزبائن والمنافسين. والمديرين وصنّاع القرار في الشركات الذين سيقرأون هذه التحولات بشكل صحيح، وسيبنون استراتيجيات شركاتهم آخذين بعين الاعتبار هذه التحولات وانعكاساتها هم وحدهم القادرون على تحقيق النجاح المطلوب من أجل البقاء والاستمرار والتطوّر

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1338 - الجمعة 05 مايو 2006م الموافق 06 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً