إلى أين ستأخذ حكومة ايهود اولمرت المنطقة بعد ان نالت ثقة البرلمان (الكنيست) بغالبية 65 نائباً ضد 49 من مجموع مقاعده الـ 120. الغالبية نسبية وليست مطلقة على رغم ان الحكومة موسعة وتضم في صفوفها 25 وزيراً. والغالبية أيضاً لا تقتصر على لون واحد أو لونين بل جمعت خلطة من الالوان المتعارضة في توجهاتها. فالحكومة ضمت حزب «كاديميا» المركب من تيارات منشقة عن «الليكود» و«العمل» وعناصر مستقلة، إلى حزب «العمل» الذي يقوده «اليساري» عمير بيرتس، إلى تجمعات حزبية متطرفة ومتدينة وقومية، اضافة إلى تيارات تؤيد التوسع والاستيطان وترفض تفكيك المستوطنات أو الانسحاب جزئياً من الضفة الغربية المحتلة.
هذه الحكومة المختلطة في الأمزجة والأهواء إلى أين ستقود المنطقة التي تمر في حال انتظار لما ستسفر عنه السياسة الأميركية في دائرة ما تسميه واشنطن «الشرق الأوسط الكبير»؟
الولايات المتحدة تراهن كثيراً على اولمرت وتعتبره الممثل الشرعي الحقيقي لمصالح الدولة وصداقتها الدائمة مع أميركا. واولمرت أيضاً يراهن على سياسة جورج بوش واستراتيجيته الهجومية التي تنتهج مبدأ التقويض وتفكيك عناصر القوة في المنطقة لمصلحة دور «إسرائيل» وأمنها.
المراهنة المزدوجة التي تعتمد خلطة «اسرائيلية» لمجموعة ايديولوجيات متعارضة، لكنها في النهاية متعايشة أو متفقة على خطوط عريضة في تعاملها مع الموضوع الفلسطيني وما يستجد من تداعيات في المنطقة، تطرح مجموعة احتمالات تتوقعها إدارة «البيت الأبيض» في الأسابيع أو الشهور المقبلة.
وبسبب هذا الوضع الدقيق شجعت واشنطن حليفها اولمرت على تشكيل حكومة موسعة تضم اتجاهات مختلفة حتى تضمن تماسك الموقف الإسرائيلي من جملة قضايا يتوقع أن تشهد سخونة دبلوماسية وربما عسكرية في الفترة المقبلة.
أميركا الآن في صدد التخطيط لمعارك جديدة وهي تحتاج إلى حليف قوي لا يعاني من معارضة محلية تزعزع استقرار الدولة في لحظة قد تشهد فيها المنطقة اضطرابات جديدة. ولهذا حرصت واشنطن على تأمين استقرار حليفها حتى لو اضطر إلى تقديم تنازلات حزبية لمصلحة كسب اتجاهات لا تتوافق كلياً مع سياسات «كاديما».
الحكومة إذاً جاءت على هيئة الدولة وعكست في إطارها العام تلك الجزئيات التي يتألف منها مجتمع يقوم على فكرة التكتلات الاستيطانية وتكريس مبدأ الاحتلال في سياق عدم الرغبة في التفاوض أو التنازل للجانب الفلسطيني إلا تحت الضغط وشروط «إسرائيل» ومصالحها. فاولمرت أوضح سياسته بعد نيل ثقة البرلمان وتعهد بازالة «المستوطنات اليهودية المعزولة» والاحتفاظ نهائياً بتلك «التكتلات الاستيطانية الكبرى» مضافاً إليها «القدس الشرقية». أي ان حكومته لن تنسحب إلا من أجزاء من الضفة وستقوم بتجميع المستوطنات والمستوطنين في مناطق الاحتلال وضمها مع القدس كعاصمة لـ «إسرائيل».
هذا من جانب الاحتلال والمستوطنات. أما من جانب التفاوض فهو لن يعود إليه إلا بعد أن تقدم حكومة «حماس» كل تلك التنازلات المطلوبة منها وتستجيب فيها لكل الشروط والضغوط. وإذا لم تفعل فإن حكومته ستتصرف وفق تصوراتها الخاصة وضمن خطة مبرمجة يتوقع أن تنتهي في العام 2010.
لماذا 2010؟ هذا سؤال لا جواب بشأنه. فالمسألة مفتوحة كما يبدو لمعرفة مصير المنطقة من الان إلى ذاك التاريخ. فهناك احتمال انسحاب القوات الأميركية قبل العام 2008. وهناك احتمال بقاء القوات إلى فترة أطول في حال تورطت واشنطن في مواجهة أو مواجهات سياسية وعسكرية. وهناك أيضاً الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد سنتين واحتمال سقوط الحزب الجمهوري ووصول الديمقراطي إلى «البيت الأبيض».
التوقيت إذاً ليست له علاقة فقط بتفكيك المستوطنات «المعزولة» ونقلها وإعادة تجميعها إلى جانب «التكتلات الكبرى» بل يتصل أيضاً بتوقعات أخرى ليست بعيدة عن مخططات أميركية تشمل دائرة «الشرق الأوسط» وما ستسفر عنه من ترتيبات ليست بعيدة عن مشروع إعادة رسم خريطة دول المنطقة. فالانسحاب وفق رؤية اولمرت ليس محصوراً في نطاق الموضوع الفلسطيني وإنما يحتمل أن يكون خطوة انتظارية عامة تشمل دول المنطقة كلها.
هذه مجرد فرضية. لكنها ليست بعيدة عن تلك التصورات الأميركية التي ترى أن ترتيب البيت الفلسطيني يجب ان يتم في سياق إقليمي يتجاوز حدود الضفة والقطاع.
حكومة أولمرت الائتلافية تأخذ المنطقة إلى مكان صعب وفيه الكثير من الاحتمالات الخطرة التي تراهن على منهج «الفوضى البناءة» الأميركي وصولاً إلى الهدف المعلن: إعادة رسم خريطة «الشرق الأوسط»
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1338 - الجمعة 05 مايو 2006م الموافق 06 ربيع الثاني 1427هـ