العدد 1336 - الأربعاء 03 مايو 2006م الموافق 04 ربيع الثاني 1427هـ

العراق بين «الجمهوري» و«الديمقراطي»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

السجال الذي دار قبل ثلاثة أيام بين الرئيس الأميركي جورج بوش والمترشح الديمقراطي للرئاسة السيناتور جوزيف بايدن بشأن تقسيم العراق والانسحاب يكشف عن موقع السياسة الخارجية في دائرة الصراع على البيت الأبيض في الانتخابات المقبلة. فأميركا التي تقود العالم منفردة باتت في وضع لا يسمح لقادتها بمنع تأثيرات الخارج على سياستها الداخلية.

إلا أن موضوع السجال الداخلي بين رئيس دولة ومترشح لقيادتها ليس هو المهم في النقاش. فالمسألة بين الطرفين تعدت سياق النقد المتبادل بين الحزبين المتنافسين لتطاول مستقبل العراق واختلاف وجهات النظر في ترسيم حدوده السياسية.

السيناتور الديمقراطي الذي يخطط لترشيح نفسه إلى الانتخابات الرئاسية في العام 2008 دعا بوضوح إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات عرقية - طائفية وفق ما حصل في البوسنة - الهرسك. وقال السيناتور في مقال نشره في صحيفة «نيويورك تايمز» ان «اللامركزية» تضمن بقاء عراق واحد شرط إعطاء كل مجموعة (كردية، سنية وشيعية) مساحة لإدارة شئونها الخاصة بالتنسيق مع حكومة مركزية تدير المصالح المشتركة. واتهم بايدن بوش بأنه يفتقر إلى خطة واضحة في العراق وتخوف من الانسحاب الأميركي لأنه قد يؤدي إلى اندلاع «العنف الطائفي» وتقسيم البلاد مذهبياً.

الرئيس بوش رد على السيناتور من خلال الناطق الرسمي باسمه مؤكداً تمسكه بالقرار الدولي 1546 الذي يدعو إلى عراق فيدرالي تعددي ديمقراطي وموحد. رافضاً تحديد موعد للانسحاب، مشيراً إلى أهمية تشكيل حكومة عراقية جديدة، ومراهناً على دور خاص ستقوم به القوات العراقية في ضبط الأمن... إلى آخره.

المسألة السجالية إذاً تعدت الساحة الداخلية وشملت تقرير مصير شعب تعرض للاجتياح والعدوان والتشريد وإمكان التفكيك في حال استمر وضع العراق المتدهور على ما هو عليه الآن. فالسجال لا يتحدث عن اعتذار أو تعويض أو عن استعداد للبحث في خطة بديلة (دولية أو عربية) تنقذ بلاد الرافدين من ورطة دموية قد تقود أهل العراق إلى مواجهات داخلية تفرض التقسيم السياسي بإرادة الناس أو من دون إرادتهم.

السجال بين الطرفين المتنافسين لا يأخذ في الاعتبار مصالح شعب تقوضت دولته وتعرضت ثروته للنهب والسرقة ويقتل من أهله العشرات يومياً، وانما يتناول النقاش كيفية إدارة البلاد في ظل الاحتلال أو بعده.

حتى هذه النقطة لا تبدو الاختلافات بين الطرفين واسعة. فالسيناتور الديمقراطي كشف اللعبة وأوضح أن السياق العام يشير إلى احتمال انقسام العراق إلى ثلاث دوائر تشرف عليها حكومة مركزية. والرئيس الجمهوري كرر تمسكه بالمشروع الفيدرالي. والفيدرالية في بلد موزع طائفياً ومذهبياً واقوامياً إلى مناطق منعزلة، زادتها الحرب انعزالاً، تعني عملياً انقسام العراق إلى دويلات متناحرة أو متجاورة كما قال السيناتور بايدن.

بوش في دفاعه عن سياسته المتهورة في العراق يشير إلى الدستور الذي أقره العراقيون في استفتاء العام 2005 وهو كما يصفه «يتسم بالمرونة» وينص على «تقاسم السلطات». وعذر بوش هنا أقبح من ذنبه. فالدستور نفسه الذي يستشهد به ويعتبره مرجعية تضمن وحدة العراق فيه الكثير من الثغرات التي تحتمل التأويلات وتعطي صلاحيات استثنائية للأقاليم تجيز لها رفض قرارات الحكومة المركزية وحتى التمرد عليها والانفصال عنها.

السجال بين الطرفين هو نقاش الأقوياء الذين يرتكبون الجريمة ويمشون في جنازتها. فالقوي عادة لا يعترف بالأخطاء التي يقترفها ويميل إلى تحميل الضعفاء مسئولية ما افتعله من كوارث. وفي هذه الحال يعتبر شعب العراق ضحية تلك الكارثة التي جلبتها إدارة البيت الأبيض سواء أعلنت واشنطن عن تقسيم بلاد الرافدين أو تركت الأمر لمشروع الفيدرالية أن يتكفل واقعياً بفرز الدولة الواحدة إلى ثلاث.

المسألة أكبر من منافسة حزبية على رئاسة الولايات المتحدة ومناظرات سياسية بين فريقين. المسألة تكمن في تلك الكارثة التي جنتها الولايات المتحدة على شعب بذريعة مكافحة «الإرهاب» و«الاستبداد». فالكارثة وقعت مهما حاولت إدارة واشنطن تجميل التشوهات السياسية التي أصابت شعب العراق.

السجال في أميركا يتراوح بين نظريات متشابهة، أما التناحر في العراق فقد أدى إلى ترسيم حدود طائفية بين أهل البلاد سواء أعلن التقسيم بقرار سياسي أو ترك التقسيم يحفر حدوده واقعياً باسم الفيدرالية أو الدستور

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1336 - الأربعاء 03 مايو 2006م الموافق 04 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً