قرأنا في الصحف البحرينية الصادرة بالأمس عن النتائج التي خرجت بها لجنة التحقيق في قضية التجاوزات في شركة نفط البحرين (بابكو)... والشيء الملفت للنظر هو النتيجة النهائية للتحقيق والتي تقول إنه توجد تجاوزات، ولكن لا يوجد متجاوزون... والله أشياء حلوة، وكلمات عجيبة... تجاوزات بدون متجاوزين.

لا مشكلة مع هيئة التحقيق لأنهم بالتأكيد صادقون في عملهم، وهم عملوا حسب ما تمليه عليهم ضمائرهم... ولكن المشكلة الآن في مصنع التكرير التابع لبابكو والذي يقع عند بداية قرية المعامير، فهذا المصنع يبث الكثير من السموم التي تغطي المنطقة بالسحابات والأغبرة الكيماوية السامة، والتي فيها الكثير من الخطورة على أهل المنطقة، وهذه حقيقة لا يمكن النقاش فيها لأن أسماء المتضررين موجودة لدينا... ونحن فقط نسأل إذا كان هناك حل فوري تعمله الشركة الآن، ثم يكون هناك حل ناجع؟.

مصنع التكرير أضر بالكثيرين من أهل منطقة المعامير... وهؤلاء المتضررون «سواء هم أو أولادهم» لم يجدوا من يساعدهم لعلاج مرضاهم، ولم يجدوا بالأساس الأذن الصاغية التي تستمع لهم، وأبواب مكاتب المسئولين الكبار بالشركة دائماً ما تكون مغلقة في وجوههم، وهم مع أطفالهم يعانون الأمرين... فماذا يفعلون؟

بابكو تحاول من جهتها أن تخفي مسئوليتها عن جميع الأمراض المستعصية التي تصيب السكان المجاورين لمصنع التكرير التابع لها... وتحاول أن تتنصل وتتهرب، وذلك بالتقرب من أهل المنطقة والتبرع لهم بمبلغ ضئيل لعمل ناد صغير يستخدمه شباب القرية... ولكن إذا كان الموضوع يتعلق بعلاج الأطفال المساكين والذين هم مصابون بأمراض مستعصية وناتجة بسبب التلوث والسموم التي ينفخها عليهم مصنعها، فهي دائماً غير موجودة... وإن راجعوها فهي تعطيهم الأذن الصمخة.

طبعاً أنا لا أتكلم عبثاً، ولا أرمي التهم جزافاً... لأنه يوجد تحت يدي عدة حالات مرضية لأطفال لديهم أمراض مستعصية، ومعها تقارير طبية صادرة من مستشفيات بحرينية، وتدل هذه التقارير على أن الأطفال وأهاليهم تعرضوا إلى استنشاق سموم وأغبرة كيماوية منبثقة من مصنع التكرير... ومن ثم فإنهم متضررون ويحتاجون إلى علاج بأسرع وقت ممكن.

كما وأن الشيء الذي يثبت كلامي هو أن مجلس النواب كان قد شكل لجنة برئاسة العضو أحمد حسين... وهو النائب عن الدائرة السادسة في المنطقة الوسطى... وهي المنطقة التي تضم ضمن ما تضمه منطقة المعامير، وخرجت اللجنة بتقارير تفيد بأن هناك الكثير من المواطنين الساكنين في هذه المنطقة، وهم متضررون صحياً بسبب وجود المصنع في منطقتهم... وأوصت لهم اللجنة بالمساعدات المالية لمواصلة علاجهم، ولكن طبعاً فإن بابكو «اذن من طين» و«اذن من عجين».

منذ مدة شاهدت فيلماً أميركياً كانت تمثل فيه السوبر ستار «جوليا روبرتس»... وهذا الفيلم يتكلم عن قصة حقيقية حدثت في إحدى الولايات الأميركية التي كان بها مصنع يرمي الكثير من النفايات ويبث السموم في المنطقة المحيطة به، ما تسبب بإصابة غالبية سكان المنطقة بأمراض مستعصية ووفيات... وعندما اشتكى سكان المنطقة، وأوكلوا شركة المحاماة تدافع عنهم لكي يحصلوا على تعويضات مناسبة، حكم لهم بمئات الملايين... مع العلم بأن الشركة «بداية» كانت تنفي مسئوليتها عن الضرر الواقع على سكان المنطقة المحيطة بمصنعهم... وهذا ما تفعله بابكو الآن، فهي تنفي وتتهرب.

طبعاً لابد أن نعترف بأن القضاء في الولايات المتحدة هو غير تماماً عن القضاء لدينا، ولكن الإنسان هو الإنسان، ولابد لأية دولة تفكر جيداً أن تحاول منع الضرر عن مواطنيها وبأية طريقة ممكنة... وإذا حصل الضرر «لا سمح الله» فلابد من التعويض والمساعدة في سرعة العلاج، من ثم لابد أن يتم التفكير في التقليل من الأضرار في المستقبل، وذلك بمحاولة نقل المصانع الخطرة على الصحة إلى أماكن بعيدة وغير مأهولة بالسكان.

إذا كانت شركة النفط الوطنية (بابكو) تريد عدم المساءلة القانونية، وعدم نشرنا أسماء الأشخاص والعائلات المتضررة، فنحن ندعوها هنا إلى أن تقدم المساعدة المالية الكافية لعلاج مرضاهم... ونرسل صوتنا إلى الأخ مصطفى السيد (المدير العام) وهو المعروف بطيبته وحنكته في حل الأزمات، ونطلب منه سرعة البت في الرسائل الموجودة على مكتبه والتي يطلب فيها مرسلوها بسرعة صرف المساعدة المالية لعلاج أبنائهم المتضررين بسبب وجود المصنع ضمن دائرة سكناهم