في الوقت الذي يتمنى فيه البعض منا أن يفكر وبدقة في أي سؤال يوجه إليه قبل أن يجيبه، نرى أن الآخرين يتعجبون من ذلك وقد يظنونه ليس منتبها للحضور، أو أنه يتهرب من الإجابة على رغم أن جميعنا نمتلك الحق في أن «ندرس» السؤال الموجه إلينا ولو لبعض ثوان، لئلا نعاود ونسأل السائل: لماذا؟ وكيف؟ وهل يمكنك أن تفسر المعنى الحقيقي للسؤال؟ وكأننا نأمل منه أن يعيد سؤاله مرة أخرى.
ففي إحدى العيادات الطبية الخاصة التقيت شابة، وتحدثت إليها لفترة 20 دقيقة، وأثناء حديثنا أحسست بل وتأكدت من أن شابتنا الجميلة لا تتحدث اللهجة البحرينية ولا حتى البحرانية، فتوجهت إليها بسؤال ضمن الأسئلة وحديثنا المتبادل: هل أنت بحرينية؟ فأجابتي على الفور بابتسامة رقيقة: نعم، فسألتها: لكنك لا تتكلمين باللهجة التي يتحدث بها البحرينيون. فقالت لي: أنا من أصل عربي ولكني حصلت على الجنسية البحرينية منذ سنوات، في الوقت الذي أحاول فيه التحدث كما تتحدثون.
ولأنني لا أميل إلى السكوت دائما قررت أن أواصل حديثي وتبادل الابتسامات معها إلى أن يأتي دوري، وخصوصاً عن «البحرنة»، فاسترسلت في حديثي قائلاً: بالتأكيد، وحسنا تفعلين، ولكني لم أكن أقصد بسؤالي لك ما إذا كنت تملكين الجنسية أو لا؛ بل إنني أقصد: هل ولدت هنا؟ فابتسمت الشابة وهزت رأسها نافية ذلك.
وفي الواقع أنه كثيراً ما توجه إلينا أسئلة تكون بحاجة إلى التعرف عليها والتأمل فيها ولو للحظات، كي نتعرف الإجابة الصحيحة التي يجب أن نقولها، والتي قد نغيرها لنكون دبلوماسيين إذا ما أردنا التهرب منها.
فالبحرنة كما عرفتها منذ ولادتي لا تعني أنني أمتلك جوازا أحمر فحسب، بل إنها تتجاوزه لتعني إلى جانب ذلك أن تولد وتكبر وتتعلم في البحرين، وتعيش لحظات حياتك السعيدة والحزينة هنا وبين أهلك وأهلها، فيما لو وجه لي سؤال من هذا القبيل فلا أظن أنني سأجيب عليه قبل أن أسأل سائله سؤالا قد يمنعه من الشرح والتفصيل لسؤاله الحقيقي، إن لم يسحبه ويتراجع عنه.
وفي الوقت الذي لم تخطئ شابتنا السابقة في إجابتها على سؤالي، فإنني أرى من وجهة نظري، وأعتقد أن الكثيرين سيتفقون معي، في أننا إذا سألنا أو سئلنا عن «البحرنة» فإنه سيتبادر إلى أذهاننا المعنى الحقيقي للسؤال والذي يعني الولادة والمنشأ والأصل، إضافة إلى الجواز الأحمر، فيما قد يحمل السائل معنى ظاهريا قد يختلف مع المعنى الحقيقي ليكون القصد الظاهري: هل تمتلك جوازا بحرينيا أم لا؟ في الوقت الذي قد لا ينتبه السائل نفسه إلى المعنى الحقيقي للسؤال خصوصا إذا لم يكن «بحرينيا» بالمعنى الحقيقي
إقرأ أيضا لـ "فرح العوض"العدد 1334 - الإثنين 01 مايو 2006م الموافق 02 ربيع الثاني 1427هـ