من المؤكد أن للتعامل مع إيران حسابات استراتيجية تختلف تماماً عن الحسابات مع العراق. فبالنسبة للولايات المتحدة كان الإطاحة بنظام صدام حسين أشبه بلعبة أطفال لكونها عملية سهلة جداً، إذ لم يكن الجيش العراقي قادرا على مواجهة الآلة العسكرية الأميركية. لكن الوضع في إيران يختلف تماماً، فلا ينبغي تجاهل المصاعب أمام أي زحف عسكري أميركي على إيران، فهناك من جهة جبال وهضاب عالية، ومن جهة أخرى هناك جيش بتسليح جيد نوعا ما. وهي صورة مختلفة عن العراق الذي فقد جيشه قوته تحت الحصار الطويل. أضف إلى ذلك الأعباء الثقيلة على كاهل الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان، ما جعل القوة العظمى تدرك حدود قوتها لأول مرة. من هنا، ليس من المحتمل أن تحصل فكرة احتلال منطقة جديدة واسعة على تأييد النخبة السياسية في واشنطن.

المناقشات الأميركية تركزت منذ فترة على إمكان توجيه ضربات جوية للمنشئات النووية الإيرانية، وكشف تقرير نشرته مجلة «ذا نيويوركر» أن الولايات المتحدة ستستخدم في مثل هذا الهجوم أسلحة نووية لتدمير المنشئات التي يجري فيها تخصيب اليورانيوم تحت الأرض. ويشكك بعض المراقبين في هذا الاحتمال لأن الولايات المتحدة لم تختبر بعد أسلحة نووية مجهزة لاختراق أهداف في عمق الأرض، خصوصاً أنه تم في العام الماضي وقف برامج تطوير مثل هذه الأسلحة.

عملية توجيه ضربات جوية واستخدام أسلحة تقليدية تبدو أيضا قليلة الجدوى لأن المنشئات النووية الإيرانية موزعة على عدد من المناطق، وهناك تقديرات تقول إنها تزيد عن ثلاثمئة منشأة. وحتى لو تم تركيز الغارات على منشآت كبيرة مثل الموجودة في «نطنز» أو أصفهان، فإن تدميرها قد يؤدي إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني نحو عامين، لكن العلماء الإيرانيين سوف يحافظون على امتلاك المعرفة النووية.

في المقابل بوسع إيران توجيه ضربات موجعة للولايات المتحدة، لما تمتلكه من قدرات لما تتوفر للجيش العراقي، بدءا في العراق إذ يوجد 148 ألف جندي أميركي، بوسع النظام في طهران إثارة مشكلات أمنية وعراقيل كبيرة بوجههم، من خلال تحريض شيعة العراق على مقاومة الاحتلال. ووقوع ذلك بمثابة ضربة موجعة جدا للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

علاوة على ذلك، بوسع الإيرانيين القيام بعمليات انتقامية بصورة مباشرة وضرب مواقع القوات الأميركية في العراق بصواريخ بالستية تستطيع أيضاً بلوغ عمق الأراضي الإسرائيلية كما تستطيع بلوغ أهداف في عدد من البلدان الغربية