إذا اتفقنا على أن الوظيفة الرئيسة للصحافة هي خدمة الصالح العام، فإن الرابط بين مصلحة الصحيفة كمؤسسة والمصلحة العامة للمجتمع هو في الإجابة عن سؤال مهم وتاريخي، وهو كيف تتم الموازنة الفعلية بين الرؤيتين، أي بين مصلحة المؤسسة الصحافية من جهة ومصلحة المجتمع من جهة أخرى.
ما بين المحافظة على الصحيفة كمؤسسة في صورة رأس مال رمزي، وبين الوظيفة المجتمعية الأخلاقية للصحافة صور من الالتقاط السيئ من قبل المؤسسات الصحافية، والصحافة العربية موبوءة بمرضية هذه الموازنة الصعبة، فغالباً ما ينتصر عنصر على الآخر، لا بحسابات المغالبة فحسب، بل لـ «واحدية» متطرفة، تجهز على العنصر الآخر وتبرع في اغتياله.
من مقتضى هذه الإشكالية يأتي شعار اليوم العالمي لحرية الصحافة (وسائل الإعلام والتنمية والقضاء على الفقر)، إذ يقول مدير عام اليونسكو «كويشيرو ماتسورا» في رسالته بهذه المناسبة «من المهم أن نعترف أن احترام حرية الصحافة وإستقلال وسائل الإعلام يعتبران بعداً أساسياً في مكافحة الفقر».
الخوف، هو أن تكون عملية صناعة القرار في ظل هذا المأزق تذهب إلى اعتبار الإعلام «جهاز تنمية»، بمعنى أن يكون مرهوناً بسياقات مباشرة مع التنمية الحكومية، وهذا ما كانت مجموعة «الدول النامية» تركز عليه في تعريفها لوظائف أجهزة الإعلام والصحافة، إذ كانت تراهن على تصيير الإعلام والصحافة كأدوات للسلطة بداعي التنمية. ولابد للصحافة أن تقاوم طموحها في الحرية لصالح طموحات الحكومة بالتطوير.
الأعمال الصحافية في هذه المنقطة القلقة من الفهم لوظائف الصحافة تخضع للكثير من القواعد، وهذه القواعد ليست إلا لوائح من «الممنوع والمرغوب»، هي محاولة لصوغ منطقة وسطى تحفظ البقاء السوي للحقل الصحافي في مأمن واستمرارية. إلا أن تضارب المصالح بين عديد المؤثرات يبقى سمة واردة.
هذا التخوف لا يعني إنهاء الرغبة الصادقة لدى الجسم الصحافي في الدفاع عن المحرومين، إلا ان هذا الدور حين يتأتى تحقيقه هو نتيجة طبيعية لمقتضيات الحكم الصالح والصحافة الحرة، وليس دوراً مباشراً لأجهزة الصحافة، فلسنا ننتظر من الصحف أن توزع يوما ما على «الفقراء» و«المحرومين» خبزاً!
كان واضحاً أن الأمم المتحدة رضخت لتلك المطالبات من الدول النامية أيضاً في اعتماد هذا الشعار، إلا أن مجمل النصوص الشارحة لمضمون هذا الإعلان كانت متنبهة ولو بشكل ضئيل لحجم الإشكالية.
وفي هذا اليوم نتذكر زملاءنا ممن قضوا نحبهم، وأخص بالذكر «غسان تويني»، والذي كان مثالاً واضحاً للصحافي الذي يحاول إسكات العجز والفقر في لبنان، إلا ان مشروعه لم يكن قصير الأفق، بل كان «غسان» يدرك أن تنمية لبنان هي في حريته من الوجود السوري، ليك،ن قادرا على «التنمية والقضاء على الفقر...».
ما بين نموذج «تويني»، ونماذج أخرى من الصحافيين فوارق في الفهم لعملية التنمية، بين صحافي يسعى في تنمية «جيبه»، وآخر يدرك ان الحرية والديمقراطية هي ذلك الغنى الذي لا فقر فيه أو معه.
بحرينياً، تتسارع شتى القوى السياسية نحو إصدار قانون جديد للصحافة، بل نحو صوغ قانون يسجن الصحافي ،وقد يجلده، وفي هذه الأجواء لا مجال للحديث عن التنمية أو القضاء على الفقر، فالحرية أولا... ثم التنمية
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1334 - الإثنين 01 مايو 2006م الموافق 02 ربيع الثاني 1427هـ