العدد 1333 - الأحد 30 أبريل 2006م الموافق 01 ربيع الثاني 1427هـ

برلسكوني خارج الحكم

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

غداً يحزم برلسكوني حقائبه الوزارية تاركاً مقاليد الحكم في إيطاليا لزعيم ائتلاف الوسط اليساري برودي. هذا المشهد السياسي ليس احتفالياً. انه صورة تكثف تلك اللحظات التي شكلت مفارقة في تاريخ أوروبا. فالانتقال يكسر تلك الصورة النمطية التي حاول الأميركيون حفرها في الذاكرة الجمعية حين تأسس التحالف الغربي (الأوروبي - الأميركي) لغزو العراق.

آنذاك، عشية إعلان الحرب في العام 2003، وقفت الحكومة الإسبانية إلى جانب الغزو. كذلك فعلت الحكومة الإيطالية. وتشكلت من تلك السياسة قوة دولية نهضت على تحالف رباعي: أميركي - بريطاني - إيطالي - إسباني. مقابل هذه القوة الرباعية الدولية أعلنت فرنسا وقوفها ضد الحرب وأيدتها في موقفها ألمانيا. وتشكلت من تلك السياسة المناهضة للحرب قوة رباعية دولية نهضت على تحالف فرنسي - ألماني - روسي - صيني.

مع ذلك وقعت الحرب. فالحرب التي شنتها الولايات المتحدة كانت مقررة سلفاً. وتحولت إلى ما يشبه الحاجة الداخلية التي تريدها واشنطن مهما كانت مواقف «دول الضد» ومهما كان الثمن الذي ستدفعه إدارة البيت الأبيض من سمعتها الدولية في اعتبار أنها اتخذت قرارها من دون اكتراث لمعارضة مجلس الأمن ومن دون اعتبار لمبدأ توازن المصالح.

وقعت الحرب الظالمة وقوضت دولة العراق وحتى الآن لايزال أهل بلاد الرافدين يدفعون يومياً ثمن خطأ استراتيجي أودي بحياة مئات الآلاف من دون أن يتحول البلد إلى ذاك «النموذج» الذي وعد جورج بوش شعوب «الشرق الأوسط» به. فما يحصل من دمار وانفجارات وقتل على الهوية يشير في النهاية إلى احتمالات سلبية كثيرة لا يتوقع منها سوى المزيد من الكوارث.

الحرب إذاً وقعت وشكل برلسكوني رأساً من رؤوس الأفعى. فهذه الأفعى لم تتوقف طوال السنوات الماضية عن اطلاق تصريحات عنصرية بذيئة ضد حضارة العرب والمسلمين اعتذر عن بعضها ورفض الاعتذار عن بعضها الآخر.

برلسكوني هذا هو أقرب في سياساته وتكتيكاته إلى زعيم عصابة أو مدير مافيا أكثر مما هو ذاك الرجل الواعد كما أرادت واشنطن تلميعه وإخراجه للرأي العام ودافع الضرائب الأميركي.

آنذاك وفي خضم التحضير للعدوان اطلق المسئولون وفي طليعتهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد سلسلة تصريحات ترفيهية (غبية) تحدث عن ظهور «أوروبا جديدة» لتأخذ مكان ودور «أوروبا القديمة». فهذا الوزير صنف لاعتبارات شخصية وموضعية ومرحلية ألمانيا وفرنسا في خانة الدول المريضة والقديمة التي انتهى أجلها. ووضع في المقابل إيطاليا وإسبانيا في خانة الدول الجديدة التي تمثل وجه أوروبا الحضاري والمعاصر!

إلى ذلك، هدد وزير الدفاع الأميركي بنقل قواته (قواعده العسكرية) من وسط أوروبا وشمالها إلى جنوب القارة وشرقها (رومانيا وبلغاريا)، وذلك لتصفية حسابات مؤقتة مع ألمانيا وفرنسا.

اندلعت الحرب وفازت بها الولايات المتحدة، ولكنها حتى الآن لاتزال تبحث عن مخرج دولي تستطيع من خلاله تحويل فوزها العسكري إلى انتصار سياسي. مقابل ذلك بدأ التحالف الرباعي يتفكك انطلاقاً من «أوروبا الجديدة». فإسبانيا خرجت من العراق تاركة الملعب للثلاثي. والآن أعلن برودي عزمة على إخراج إيطالياً تاركاً الساحة للثنائي الهرم.

مقابل هذا التحول السياسي تبدو الإدارة الأميركية غير مكترثة بل هي مصممة على مواصلة استراتيجيتها التقويضية وحروبها العبثية والتدميرية. فواشنطن الآن تخطط لاستدراج مجلس الأمن للوقوع في مصيدة قرار يمهد الطريق لاحتمال خوض حرب نظامية ضد إيران. وهذا الضغط يتم في مناخ حفلة الانتقال الإيطالية من برلسكوني إلى برودي.

على ماذا تعتمد واشنطن في مخطط تصنيع حربها الجديدة؟ انها تستند على ما وصفه رامسفيلد سابقاً بـ «أوروبا القديمة» ويعني بها فرنسا وألمانيا. فرنسا تغيرت كما حصل مع إسبانيا. وألمانيا تغيرت كما حصل مع إيطاليا. وعاد «التحالف الرباعي» الدولي يتشكل من جديد وفق ترتيبات تضع برلين وباريس في مجموعة واحدة مع لندن وواشنطن مقابل خروج روما ومدريد من «الرباعية الدولية».

السياسة إذا لا أصل لها ولا فصل في زمن التحولات «العولمية». والسياسة كما قيل مراراً تعتمد على المصالح لا الصداقات. فالمصالح من الثوابت بينما السياسة من المتغيرات. وهذا العنوان يمكن أن نشهد تحته الكثير من «المفرقعات» الدولية في لحظة التحضير لحرب مختلقة يتم الاعداد لها في مطابخ «البنتاغون».

غداً يغادر برلسكوني قصر رئاسة الحكومة في روما وستشهد إيطاليا متغيرات إيجابية كتلك التي شهدتها إسبانيا في ظل حكومة الوسط اليساري. إلا أن المنطقة العربية - الإسلامية ستظل إلى فترة طويلة الضحية الدائمة لتلك المتحولات بين «أوروبا القديمة» و«أوروبا الجديدة»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1333 - الأحد 30 أبريل 2006م الموافق 01 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً