يبدو أنه لا يراد أن يكون أو أن يتأسس الواقع إلى أربع سلطات يشترك فيها الشعب في صوغ الرؤى أبدا، بدليل أن السلطة الرابعة الآن مهددة وتعيش ظروفا صعبة وعسيرة، وربما لا تنجو من الفخ، إذ يراد لها أن تعدم وتقبر، بلحاظ ما يتم تداوله حاليا في أروقة المجلس التشريعي عند معالجة النواب لقانون الصحافة، والصراع بين الكتل من مواقف تجاه القانون وما سيؤول إليه في النهاية، ولا نعرف لصالح من ولحساب من؟ لا نعرف... وما نعرفه أن هناك آراء متباينة بشأنه، وهذه الأيام ستوضح لنا ما سيكون عليه وضع الصحافي «حمّال الأسية».
عموما الحديث عن قانون الصحافة تحت قبة البرلمان موضوع لا يمكن أن يدار بلغة علمية موضوعية رصينة في الوقت الذي يحمل النائب في نفسه من مشاعر تجاه الصحافي «ذلك الضيف الثقيل» الذي لا يبرح قاعة جلسات المجلس النيابي، لا سيما أن كل ما يعرفه الشارع من ضعف لتركيبة مجلس النواب وهزال مواقفهم وتوجهاتهم، وكل ما يصلنا من أخبار أو أوصاف أو نعوت للنواب يأتينا عبر البوابة الأم، التي تقتحم كل بيت، وهي الصحافة المحلية الحرة. وبالتالي إذا استمر سقف الحريات وإبداء الرأي بشكل مفتوح واتسع وأخذ حجما أكبر، وساهم بشكل أكبر في نشر فضائح فساد أكبر... فـ «الباب الذي يأتي منه ريح سده واستريح»! وهذا هو لسان حال سعادة النائب في الوقت الراهن، والكرة عموما في ملعبه وعليه أن يسدد ضربته بحرفية واقتدار.
وللأسف الشديد بهذه المنهجية يتم التعاطي مع هذا المشروع الخطير الذي يرد على المجلس التشريعي، فكيف لهم أن يتعاطوا مع القانون بحيادية تامة طالما أنه يؤثر على سمعتهم وعلى توضيح حقيقة مستواهم الفكري وأدائهم المحدود، فلا أحد متفرغ مثلا لكي يتمكن من حضور جلسات النواب ليطلع على حقيقة أمرهم، والصحافي يضطر حينها للجلوس ساعات يستمع إلى جلساتهم لأنه في مهمة صحافية، ولو ترك الأمر لهم لما تركوا أصلا المجال مفتوحا أمام الصحافة، ولمنعوا أي صحافي من المروق إلى قاعة الجلسات، ولأغلقوا المجلس بالشمع الأحمر أصلا، ولكنها الصحافة، السلطة الرابعة التي تفرض نفسها وتقول في الكثير من الأحيان كلمتها معلنة إلى الشارع، وعلى الشارع أن يقول كلمته الأخيرة.
الآن وبعد أن أصبح مصير الصحافي ومستقبل الصحافة، بل وخط سير الحريات العامة في البلد في يد النواب، فابشري أيتها الأقلام بأن مستقبلك الصحافي في انحدار وتناقص مستمر، ولن يبقى أمامكم من أدوار تلعبونها سوى التملق والنفاق والتطبيل والتزمير. انتهى دوركم الهادف إلى الجري وراء الملفات الساخنة والأخبار الخاصة والتغطيات المهمة، وعليكم يا سادة يا كرام من الآن فصاعداً، البحث عن الأخبار الوردية الباردة الناعمة والموضوعات المسكنة التي تخدر جروح الناس بدلا من السعي لإلهابها. ابحثوا عن مواقع الإشادة والتبجيل والتعظيم والشكر والثناء حتى تنام الناس ولا تصحو إلا على أرض غناء.
لست متفائلة كثيرا، وأعتقد أن النواب لن يكونوا رحماء أبدا، فقد يصرون على حبس الصحافي وجلده... بل وإعدامه إن تمكنوا من تمرير ذلك! ألم أقل لكم بأن الصحافي سينال أخيرا من النائب نصيبا زاخرا من الذل والهوان شر جزاء. والوضع جدا طبيعي، فالطرح الذي يأتي به النواب عموما يتناسب وينسجم مع الحركة الرائجة في البلد، فالحريات العامة في تناقص مستمر، فما الجديد في هذه المسألة؟ فلا ينقصنا إلا تضييق الخناق على الصحافي وعلى الأقلام الصحافية التي تكتب، ليس ما يملى عليها وانما ما تراه بصدق، وأن تكتب ما يتفق مع روح القانون الذي يمكن أن يستخدم العقاب على المسيئين، بمن فيهم الصحافي، ومن محاسبته دون أي استثناءات، لاسيما إننا بلد المؤسسات والقانون، وأن القانون فوق الجميع، بمن فيهم صاحب الكلمة وحامل القلم.
من اليوم فصاعدا، على الصحف المحلية التي تكاثرت وتزايدت فجأة دون سابق إنذار، أن تعلن حملة تقشف تبدأ من تقليل عدد الصفحات، وخفض سعر الصحيفة إلى النصف حتى لا تبور! ولا ننسى ان هذا يتناسب مع رغبة القارئ الكريم، فالقارئ يحرص على شراء الصحيفة لقراءة الأخبار الدسمة لا الهزيلة، وإذا وجد الآن من يشتريها بـ 200 فلس لكونه يعتقد بأن فيها ما يستحق القراءة، فلن يظل الوضع كذلك بعد اعتماد القانون المثير للجدل، ومحاصرة الصحافي في عمله. وأعتقد أن الصحف ستمتلئ بصفحات صفراء لا تستحق النظر إليها، كل ذلك إرضاء لأصحاب الروح الانتقامية. ولكن لو فكر النواب جيدا لحرصوا على عدم عرقلة القانون خصوصا أن دورتهم الانتخابية على وشك الانتهاء، وهناك دفعة جديدة ستدخل التجربة وعليها أن تتحمل أيضا «وزر الصحافة»، و«طول لسانها»، يمكن بعدها التفكير في إعادة النظر في القانون ويكونوا قد سلموا من وصمهم بأنهم سبب لما آل إليه القانون، فهل فكر النواب في ذلك أم أنه «ذهبت السكرة وجاءت الفكرة».
كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1333 - الأحد 30 أبريل 2006م الموافق 01 ربيع الثاني 1427هـ