من اللقطات التي ظلّت خالدةً في ذاكرة التاريخ توقيع إمبراطور اليابان الذي يعتبر ابن الشمس، على وثيقة الاستسلام نهاية الحرب العالمية الثانية العام 1945.
بعد ثلاثين عاماً، شهد العالم لقطةً تاريخيةً أخرى، مع اقتحام الثوار الفيتناميين العام 1975 السفارة الأميركية في عاصمة الجنوب، رغم طلب السفارة إيقاف الزحف والاستسلام.
بعد ثلاثين عاماً أخرى، شهد العالم لحظة سقوط الحكم الدكتاتوري في العراق العام 2003، وشاهد الملايين إسقاط تمثال صدام حسين في أكبر ميادين العاصمة بغداد، وجرّه في الشوارع، بينما انهال أحد الضحايا الكثر الحانقين عليه صفعاً بالنعال.
كانت هذه اللقطات قليلةً، يجود بها الزمان على فترات متباعدة، لتقبع في قاع ذاكرة الشعوب. ولكن مع انفجار حركات الغضب العربي في نصف الدول العربية، غصّ المشهد بمثل هذه اللقطات التي ستدخل التاريخ.
البدايات كانت متشابهةً، ومنسوب القهر والفساد المالي والاستئثار بالسلطة كان عالياً، وتزوير الإرادة الشعبية كان متشابهاً ومستنسخاً إلى حدّ الفجاجة... وهو ما يفسّر مقدار هذا الغضب في هذه العواصم. فأول ردود الفعل لاستعادة الكرامة المستباحة تعبّر عن نفسها بتمزيق الصور وتحطيم التماثيل الطينية والنحاسية والبرونزية، وإنزالها أرضاً، وإشباعها دوساً. كل هذا الغضب كان مختزناً تحت الرماد؟ أم أنه بمقدار ما بلغته عملية تأليه الحاكم العربي جاء التعبير عن الاحتقار؟
المشهد تكرّر في أكثر من عاصمة، من تونس إلى القاهرة وسواهما من الحواضر الكبرى. آخرها ما نشاهده هذه الأيام في طرابلس الغرب، مع اقتحام الثوار مقر الزعيم الذي أصبح مخلوعاً منذ يومين، في باب العزيزية. ومن أشد الصور علوقاً بالذاكرة صورة تمثالٍ للقذافي انتزع رأسه الذهبي ليتقاذفه المسلحون ويركلونه بأحذيتهم ويرقصون حوله رقصة النصر.
في هذه القلعة الحصينة، بهذا المربع الحصين، تدفّق المقاتلون الليبيون بالمئات. جاسوا خلال القصر، بحثوا عن المخابئ المحتملة والسراديب، فلم يعثروا على أثرٍ للرئيس أو عائلته. القصر الذي كان حرماً آمناً تحرسه الجنود، أصبح نهباً للثوار. أحدهم لم يصدّق نفسه حين دخل غرفة نوم الزعيم المخلوع وعثر على قبعةٍ عسكريةٍ مزركشة، لا ندري كم كلفت من مال الشعب الليبي. وحين قابلته إحدى القنوات التلفزيونية الأجنبية لتسأله عن القبعة قال إنه ينوي إهداءها لأبيه!
العقيد الذي اختفى منذ ثلاثة أيام، قال في أحدث تسجيلٍ صوتي أذيع أمس، «خرجت قليلاً في طرابلس من غير أن يراني أحد، ولم أحسّ بأي خطر»! بينما أعلن المجلس الانتقالي العفو عن من يأتي بالقذافي حياً أو ميتاً! لم يكن العرض مغرياً على الإطلاق، لذلك أعلنت بعض رجال الأعمال الليبيين عن رصدهم مكافأةً قدرها مليون وسبعمئة ألف دولار لمن يأتي برأس الزعيم، وأعلن المجلس تأييده للمبادرة! كانت جائزة العثور على صدّام أغلى بكثير (خمسة وعشرون مليوناً)، وفاز بها أحد حرّاسه المقرّبين بعدما دلّهم على مخبئه تحت الأرض، حيث لجأ إلى أحد البساتين الرثة، بعدما ضاقت عليه الأرض بما رحبت... وصدق عز من قائلٍ: «وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون».
ما كان أغنى هؤلاء عن هذه المصارع المحزنة، وما أغنى هذه الشعوب عن هذه المآسي لو عُوملت بالعدل، وما أغلى كلفة الاستبداد. إذا كان هذا ما ينتظرهم فلماذا لا يتنازلون؟ ولماذا يصرّون على البقاء حتى تغرق السفينة بأهلها ويكونوا هم أول الغارقين؟ ولماذا مازالوا يعتقدون أن الكرسي سيبقى دائماً لهم؟ أفلا يرون أنها لو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم؟ أليست كلفة الاستبداد باهظة على الحاكم والمحكوم؟ وهل تستحق القضية كلّ ما يسفك من أجلها من دموع ودماء؟
القذافي اختفى، ونظامه الذي بناه أربعين عاماً تهاوى في نصف عام، وعاصمته التي حصّنها في ثلاثة عقود تهاوت في ثلاثة أيام. سبحانك «مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء». وحّدوه
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3274 - الأربعاء 24 أغسطس 2011م الموافق 24 رمضان 1432هـ
انما يحتاج الى الظلم الضعيف
وهؤلاء الطغاة اثبتت التجارب انهم اهون من بيت العنكبوت افلا يعتبرون؟!!!
خانوا الامانة ودمرو ا البلاد والعباد وورثوا ابنائهم ما لا يملكون واستعلوا واستكبروا استكبارا
الا يعرفون ان الله اخذه شديد؟!!!!!!
سنن الاولين
من الملاحظ أن ما ذكرته في مقالك القيم وما لم تذكره من أحداث سقوط لإمبراطوريات أخرى سبقت بأن المشترك بينها هو التراجع في الأخلاق. وكأنما لسان حال أحمد شوقي ينعاها ويذكر حين قال: أنما الأمم الأخلاق ما بقيت . . فان ذهبت أخلاقهم ذهبوا. .
ولن تكون الأمم الأخرى عنها ببعيد.
سوريا
أستاذي العزيز هل لدي أي مقال عن الثورة السورية و موقف حزب الله و أيران من هذة الثورة ؟
أتمني الحصول عليها أن كانت موجودة ولكم جزيل الشكر
انت الفضل الى الامام
اتمني الحصول على جميع مقالتك
كيف ذلك؟؟؟؟
وحدوه
من سنين وانا اتابع مقالاتك يا استاذ، لا تحتاج لمن يمدحك