العدد 3271 - الأحد 21 أغسطس 2011م الموافق 21 رمضان 1432هـ

هل معارضة الأنظمة تعني العمالة للغرب؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل كل شيء، يجب أن نقول: لا الإخوان المسلمون في سورية هم عملاء للولايات المتحدة فقط لاتفاق عداوتهم معها ضد بشار الأسد، ولا بن لادن عميلٌ لإيران فقط لعداوتهما معاً للولايات المتحدة أو بسبب وجود جزء من عائلته في إيران. نتساءل: ولا الكوريتان حليفتان فقط لعداوتهما اليابان بسبب البحر الشرقي وجزر دوكدو. هذه مقدمة واجبة سنستفيض فيها خلال الحديث عن مسألة التحالفات والتوافقات والاختلافات بين الدول والجماعات.

يخلط البعض، فيعتقد بأن العلاقات في السياسة هي نفسها التي تقوم بين البشر. الأمر ليس كذلك بالمرَّة. لقد قلت في السابق، إن في السياسة، هناك عدوُّ صديق يستلزم موقفاً منه. وهناك صديق عدو، وهناك عدو عدو يُمكن تثمير قوته في المعركة. وهناك صديقُ صديق يُمكن الاستفادة منه في حِلف. وهكذا تتوالى الصداقات والعداوات لتقيم نظاماً مُربكاً في العلاقات الدولية، ودُفوعاً تنتج أزمة في حين، وصُلحاً في حين آخر. هذه قِيَم السياسة ومفارزها، وبالتالي تختلف التفسيرات للعناوين فيها عن غيرها.

نسمع اليوم، في الدول التي تشهد حِراكاً ورفضًا للوضع القائم، لغة تحريضية من بعض الأنظمة العربية المستبدة، بأن هذه المعارضة السياسية أو تلك هي عميلة للغرب وللخارج؛ لأن أهدافها هي ذاتها التي يضمرها ذلك الغرب وذلك الخارج، مع أن هذه المعارضات لا تطالب بأكثر من الحريات وإقامة المساواة، والمواطنة الصحيحة، والتمثيل النيابي الكامل، ومكافحة الفساد، وكسر نظام الامتيازات، وهي كلها مطالب لا تخدم الغرب في شيء أبدًا، بقدر ما تخدم البلد وأهله.

هنا يجب أن أؤكد أمرين مهمَّيْن: الأول: أن هذه الادعاءات (وهي في العُموم) اسطوانة مشروخة، يُردِّدُها الحكام المستبدون لتبرير قمعهم لأي تحرك مُخالف، ولنزع الشرعية والمصداقية عن مطالب الشعوب، كما يفعل اليوم النظام السوري واليمني والليبي وبقية الجوقة. الثاني: لا يُمكن نفي تلك التهمة، إذا ما وجدنا ما يُناسبها فعلاً في المعارضات التي تتحالف بشكل فاضح واستراتيجي مع الغرب، وتقيم بينها وبينه غرفة عمليات، حتى في الأمور الحربية، كما جَرَى بالنسبة للمعارضة العراقية إبَّان صدام حسين وتحالفها المطلق مع الولايات المتحدة الأميركية، واليوم بالنسبة للمعارضة الليبية، التي ركبت ذات الصهوة التي ركبها العراقيون قبلهم.

لكن، وأمام تلك الملاحظتين يظهر لنا شكل معقد في العلاقات السياسية الدولية، وهو ما يُسمَّى بالتحالف الموضوعي بين طرفين خصمين (أو ذوي علاقة رمادية) ضد طرف آخر. فهذا نوع من التحالف يقوم على مُشترك العداء والصداقة بين جهتين ضد/ مع جهة أخرى، دون أن يكون بينهما جامع في المصالح إلا في هذه المفردة الخاصة بذلك الخصم/ الصديق.

هذا النوع من التحالف له منسوب مختلف من التنسيق. فأحياناً يتصاعد، ليتحول إلى تحالف موضوعي حاد يقترب من التحالف الاستراتيجي. وفي أحيان أخرى يكفي أن تقوم دولة ما، لها خصومة مزدوجة مع دولة أخرى، باتباع سياسة الحياد تجاه أي صراع عسكري أو سياسي لكي تظهر مفاعيل ذلك التحالف ونتائجه للطرفين، فيتحول إلى تحالف موضوعي ناعم. وفي أحيان أخرى، يكفي أن توَجَّه المواقف السياسية وتستثمر ضمن عملية براغماتية مُعقدة، ليتحول نوع التنسيق بينهما إلى تحالف مكتوم يُؤدي إلى الغرض السياسي ذاته.

لاحظوا هذا النوع من التحالف مثلاً. في العام 1776، أرسل الملك الفرنسي لويس السادس عشر فرقة عسكرية بزعامة الجنرال ماري لافييت لمساعدة الثوار الأميركيين. والمعروف أن الملكية الفرنسية كانت تمثل نظامًا سياسيًا رجعيًا فاسدًا في أوروبا قبل الثورة، أمام ما كان يُمثله الثوار الأميركيون من عناوين التحرر والراديكالية السياسية والشعارات التقدمية. لكن نقطة الاشتراك بين الجانبين كانت في مُناهضة البريطانيين الذين كانوا خصمًا للطرفين، حيث كان الفرنسيون يُقاتلون البريطانيين على النفوذ في أوروبا، وكان الأميركيون يقاتلونهم باعتبارهم مستعمرين. هذا النوع من التحالف، هو التحالف الموضوعي الحاد القريب من الاستراتيجي.

نميل قليلاً، لنلاحظ شكلاً آخر من التحالف الموضوعي والتمعُّن في مداه. فما الذي يجمع كوريا الجنوبية الرأسمالية، بكوريا الشمالية الشيوعية، العدوَّتان منذ تقسيمهما وحربهما في الخمسينيات، ضد اليابان الرأسمالية حليفة واشنطن التي هي إحدى الحلفاء الرئيسيين لكوريا الجنوبية؟ إنه باختصار الصراع بين اليابان وكوريا الجنوبية بشأن البحر الشرقي وجزر دوكدو، التي تدعي كل من طوكيو وسيئول ملكيتها لها، وهو الأمر الذي دفعَ الكوريتين لأن تتحالفا موضوعيًا على مستوى المواقف الدبلوماسية، دون ترك الخصومة في باقي الملفات. وهو تحالف موضوعي ناعم.

لنلاحظ هنا نموذجًا ثالثاً من التحالفات الموضوعية الغريبة في أطرافها وتوقيتاتها. فما الذي كان يجمع عداء الولايات المتحدة وإيران ضد العراق وأفغانستان غير نظامَيْ صدام حسين وحركة طالبان! وما الذي يجمعهما اليوم في هذيْن البلدين، غير ارتباط الحكومتيْن العراقية والأفغانية بهما. ثم ما الذي يجمع أقصى يمين التشيع الراديكالي في إيران بأقصى يمين التسنن السلفي الطالباني، غير عداء الجانبين للولايات المتحدة. وقد ثبَتَ أن إيران دعَمَت طالبان بالمال والسلاح في أفغانستان ضد واشنطن، وآوت منتسبين للحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار، وأيضًا لتنظيم القاعدة على أراضيها سنين طويلة ومازالت، بينهم أولاد وزوجات لعائلة أسامة بن لادن! هذا النوع من التحالف، هو أيضًا ما يُمكن أن نسميه بالتحالف المزدوج، الذي يشترك فيه التحالف الموضوعي الناعم، والتحالف المكتوم الذي يؤدي الغرض السياسي ذاته.

في كل الأحوال، فإن ما نعنيه هنا، هو أن المصالح عندما تتلاقى فإنها تدفع الأطراف إلى أن تتفق، ولكن وفي الوقت نفسه، قد لا يكون ذلك الاتفاق بالضرورة قد سبقته اجتماعات، أو ترتيبات، أو تبادل أدوار، أو اتكاء، أو اعتماد مالي؛ وإنما ظروف المصالح هي التي أتت بهذا وذاك في نقطة التلاقي، التي ينظرون من خلالها إلى هَمٍّ مُشترك. وفي حالة المعارضة السياسية العربية فإن الوضع لا يكون غير اشتراك في الرؤية لأسباب مختلفة لا أكثر ولا أقل.

إذ ليس من المعقول مثلاً أن يكون المعارض السوري رياض ترك خائناً لسورية فقط لأنه يُخاصم النظام في دمشق، مثلما يُخاصمه الغرب، مع فارق الغاية أو أن يُعتبر الإخوان المسلمون في سورية أو مصر عملاء فقط لأن صحفاً بريطانية، أو إذاعة فرنسية أجرت معهم مقابلات صحافية أو أذاعت مطالبهم، الأمر الذي ينسحب على أغلب المعارضات العربية الأخرى أيضًا. هذه إشارات يجب أن يفهمها الجميع، وأن تتم المزايدة فيها لكسب نقاط سياسية

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3271 - الأحد 21 أغسطس 2011م الموافق 21 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 10:24 ص

      رد

      رد علي زائر 3 دول الخليج لما تدخلت في اليمن من اجل الاصلاح وليس من اجل تغير الحكم اما في سوريا الي الان لم تتدخل دول الخليج انت في رمضان

    • زائر 6 | 4:33 ص

      المصالح

      المصالح عندما تتلاقى فإنها تدفع الأطراف إلى أن تتفق

    • عيد الولاية | 2:20 ص

      ردا على بو أحمد

      و ماذا تسمي تدخل الدول الخليجية في شئون اليمن و سوريا؟
      هل لدول الخليج اطماع مثلا؟

    • زائر 2 | 10:38 م

      ذهب زمن صداقة الانظمة

      أصبت استاذي
      نفس السياسيين و العسكريين الذين قادوا الثورة الامريكية الذين تلقوا مساعدات من الملكية الفرنسية .. وقفوا متحيرين إزاء الثورة الفرنسية ليقرروا ان يقفوا مع الشعب ضد الملكية التي ساعدتهم في تحرير بلادهم
      فعلاقة الدول و الاحزاب السياسية لا تعتمد على تزويج الاولاد او ما شابه !! بل تعمتد على المصالح فقط

    • زائر 1 | 10:01 م

      من بواحمد

      شكراً على المعلومات القيمه التي ادليت بها لنى لاكن يا اخوي هناك دول لها اطماع ليس لها حدود واطماعها ليست ماليه فقط بل تريد ان تغير تاريخ او تلغي وجود امه لها تاريخها العريق ،او تريد ان تثئر من حرب فات عليها عقود من الزمن ،،! مثل إيران التي تحاول ان تلغي بعروبة الخليج العربي فماذا تسمي تدخل ايران في الشؤن الخليجيه وبذات البحرين؟؟!

اقرأ ايضاً