العدد 3271 - الأحد 21 أغسطس 2011م الموافق 21 رمضان 1432هـ

قبر كل نافذة لا تطل على ضوء

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لا أدري أي صباح خير يمكن أن أبدأ به يومي في ظل شبه أبدية ليل؟ لا أكف عن فحص خيارات اللغة. خيارات المجاز والكناية والاستعارة؛ لكن الانكسارات من حولي لا يمكنها أن تفكك كل ذلك. ثمة كراهية تتعهد هذا التردي في الحياة والتردي في الحماقات والتردي في الإمعان في الجهل. لا أحد يحدد تفاصيل نصره قبل المواجهة. صحيح أن بإمكان أحدهم أن يقرر النصر وفق اعتبارات استراتيجية أو لا أخلاقية وأخلاقية أيضاً أو حتى سنن كونية وهي الأساس؛ لكن لا أحد يملك تفاصيل ذلك النصر. التفاصيل تحددها المواجهة حتى النفس الأخير. ومن لا قضية له لا تعنيه المواجهة من قريب أو بعيد، بل على العكس تراه كلما جد الجد ينأى بنفسه ويذوي في مهب أول ريح. وأول المدبرين من دون الحاجة إلى تكرار كشف عورة عرفها التاريخ ولاتزال ماثلة. تلك من مسلمات وشرط الحياة.

***

القارئ الجيد للتاريخ والحاضر والمستقبل؛ كلما كثرت الأخطاء والتجاوزات؛ كلما أذن ذلك بنهاية مرتكبها والمحرضين عليها. تلك من ثوابت منهج الحياة والعقل والأخلاق ومن بعدهما دروس وغصص في التاريخ في الوقت نفسه. لا أحد بمنأى عن المساءلة - طال الزمن أم قصر - مساءلة تجاه المذابح لا المرح؛ والعلل لا العافية؛ والبغي لا العدل؛ والإعماء لا التنوير. القارئ الجيد للتاريخ يستخلص العبر من شواهد بالآلاف ولا يحتاج إليها جميعاً. يكفيه شاهد من محيطه المحدود والبسيط على مستوى العلاقات البينية بين الجار وجاره والزميل وزميله والمنشأة والشبيهة لها. شواهد على مستوى محدود ومحصور؛ فيما الإطلالة على شواهد تتجاوز ذلك المحيط يشيب لها كل ربيع ويسود نهار.

***

أدرك أن لا فضاء للحمام في تفشي الغربان واحتلالها لكل فضاء.

أدرك أن لا اعتقاد يمكن له أن يكون راسخاً إذا ما كان برسم المساومة والبيع.

أدرك أن الاعترافات بالجميل لا تصدر عن أصحابها تحت الضغط. إنها تصدر تحت عرفان. عرفان انجذابهم وذوبانهم بالروح والنفس التي أنتجت ذلك الجميل.

أدرك أن العدل لا يتحدد في ألفية ثانية أو ثالثة أو عاشرة؛ بل تحدده خطوة أولى في المحاولة والتوجه والقناعة والثبات والاعتقاد بصدق وشرف التوجه والموقف.

أدرك أن لا ضرائب مضاعفة يمكن للإنسان أن يدفعها أكثر من ضريبة شرفه وكرامته وثباته على الموقف.

***

كل وصول ساذج وسهل نهاية.

كل مسير شائك وإن لم يبلغ مرماه، وصول يتطلب بداية أخرى.

كل مكتبة تلقم الناس المعرفة الموجهة والمرصودة، مشروع تسفيه لوعي المقبلين عليها.

كل نافذة لا تطل على ضوء لا تختلف كثيراً عن قبر.

كل مرآة لا تكشف عيوبك وهم متجسد.

كل رغيف بشرط، استلاب لمعناك وقيمتك.

كل ليل لا ينحاز لعواطفك في جانبها البريء، سجن في هيئة وقت.

كل مدينة تسلمك للضياع والحاجة والإهانة، صحراء لا تردها روح.

كل رأس مليئة بحبك المؤامرات، حذاء مليء بالروائح المؤذية.

كل خطيب مزيف للوعي والقيمة وإهانة الإنسان، جنرال حرب ومقصلة في هيئة كلام.

كل بناء يقوم على عذابات الإنسان، حطام وإن طاول السماء.

كل رحب متوهم على حساب حبس ولو نملة، هو مستحيل ماثل.

في النهاية، لا قبر تضج فيه الحركة. الحركة للحياة والذين يريدون للحياة أن تكون قبراً لسواهم هم أول المعنيين بذلك القبر

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3271 - الأحد 21 أغسطس 2011م الموافق 21 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:54 م

      الشرط

      ((كل رغيف بشرط، استلاب لمعناك وقيمتك.))
      قال أحدهم إن رغيفكم في هذه المدينة أكبر من رغيف مدينتنا, لكنه لم يقرأ شروطه.

اقرأ ايضاً