العدد 3269 - الجمعة 19 أغسطس 2011م الموافق 19 رمضان 1432هـ

الربيع العربي بين الآمال والمخاطر (1)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

حين أقدم الشاب الجامعي محمد البوعزيزي على إشعال النار في نفسه في ديسمبر/ كانون الأول 2010 في مدينة بوزيد الصغيرة شمال غرب تونس العاصمة، في لحظة شعوره بالمهانة الشديدة على يد شرطة البلدية ومصادرتهم لعربة الخضار التي يعتاش منها، لم يكن يعلم أنه بذلك قد فجّر بركان غضب الملايين من العرب من المغرب وموريتانيا في أقصى غرب الوطن العربي حتى البحرين وعمان في أقصى الشرق.

نعم لم تكن الأنظمة العربية وفي مقدمتها النظام التونسي الأشهر في قدراته المخابراتية، والتي اطمأنت إلى الحكم المديد وإخضاع شعوبها، كما لم تكن الاستخبارات الغربية التي ترصد الوضع العربي بدقة، ولا مراكز الدراسات المتخصصة، ولا قوى المعارضة أيضاً تتوقع هذا النهوض الجماهيري والاستجابة التلقائية لدعوة مجموعة من الشباب عبر وسائط التواصل الاجتماعي عبر الفيسبوك والتويتر والمواقع الإلكترونية.

يعتبر النظام التونسي نموذجاً للنظام الكلي الجبروت، فقد استطاع زين العابدين بن علي ضابط المخابرات السابق، أن يقيم نظاماً أحكم قبضته على الحياة السياسية والاقتصادية وعلى المجتمع المدني على امتداد أكثر من عقدين، متباهياً بتأمين الاستقرار والنمو الاقتصادي، تاركاً هامشاً ضيقاً للمعارضين والمجتمع المدني لإضفاء تعددية زائفة، وشرعية شكلية من خلال الانتخابات المتواترة. كما كان نظام بن علي يتمتع بعلاقات مغاربية وعربية جيدة ودعم غربي قوي، باعتباره قد نجح في تصفية القوى الإسلامية وحصن بلاده في وجه ما يدعى بالأصولية الإسلامية والإرهاب الإسلامي.

الاحتجاجات التي شهدتها مدينة بوزيد والتي وجهت بالقمع، انتقلت بسرعة إلى مدن الداخل التونسي المحروم، وقيل حينها أن الاحتجاجات لن تنتقل إلى مدن الساحل المرفهة، لكن المفاجأة هو انتقالها السريع إلى العاصمة تونس وغيرها من المدن الكبرى.

وفي سابقة تاريخية نهض الشعب التونسي، وشل الآلة الاستخباراتية والأمنية المرعبة، وهنا اتخذ الجيش التونسي موقفاً وطنياً ورفض قمع المظاهرات، بل ومنع قوى الأمن من الفتك بها. واضطر بن علي للهروب في جنح الظلام في 16 يناير/2011. وفتح الطريق أمام الثورة التونسية.

على وقع الحدث التونسي، جرت الدعوى عبر الفيسبوك والتويتر للتجمع في ميدان التحرير بوسط القاهرة في 25 يناير 2011 بدعوة من عدة مجموعات شبابية مثل «شباب 6 أبريل» و «كلنا خالد سعيد». وخلافاً لسوابق النظام المصري في إجهاض أي احتجاج وخلافاً لتوقعاته في أن الأمر لن يتعدى المئات، فقد تدفق الآلاف من شباب وشابات مصر على ميدان التحرير، ليتزايد أعداد المعتصمين، وليتحول ميدان التحرير إلى مركز دائم لثورة 25 يناير.

وكما في تونس فقد ظلت قوى المعارضة حائرةً ومتردّدةً تجاه الحدث باستثناء حركة كفاية والكرامة، لكن وأمام المدى الجماهيري الكاسح التحقت مختلف القوى بمختلف تلاوينها الإسلامية والقومية واليسارية والليبرالية بالحركة الاحتجاجية. وكما أبدى عدد من قوى المعارضة في تونس استعداده للمساومة مع أركان نظام بن علي بعد هروبه، والمشاركة في تشكيلات الحكم، فقد أقدمت قوى مصرية معارضة على التفاوض مع خلف مبارك اللواء عمر سليمان ورئيس الوزراء اللواء أحمد شفيق. لكن شباب ثورة 25 يناير ظلوا متشبثين بإسقاط حسني مبارك وأركان حكمه. وإذا كانت المؤسسة العسكرية التونسية قد اكتفت بتأمين الأمن ومراقبة انتقال السلطة، فإن المؤسسة العسكرية المصرية ممثلة بالمجلس العسكري الأعلى التي ينتمي إليها مبارك، قد عمدت إلى الإمساك بسلطات الرئاسة ورفضت تشكيل مجلس رئاسة من شخصيات وطنية.

لقد استطاعت ثورة 14 يناير في تونس و25 يناير في مصر، أن تطيحا برأسي النظامين والعديد من أركانه حكمهما، وعبور حاجز التغيير ولكن يبقى أمامهما الكثير لإنجاز متطلبات ومهام الثورة الجذرية الشاملة. ويمكن القول إن ثورة 25 يناير المصرية هي التي أعطت بعداً عربياً لثورة تونس وحوّلتها من حدث محلي إلى حدث عربي.

وهكذا ومع تواصل أحداث الثورة المصرية التي جذبت الاهتمام لما يجري في تونس وقدرتها على الصمود رغم التعرجات، فقد انتشرت عدوى الثورة عابرة الحدود. لكن تجليات الربيع العربي متباينة حسب ظروف كل بلد، ومدى نضوج الأوضاع لتحولات ثورية أو إصلاحية عميقة.


دلالات الربيع العربي

يشكل الإعصار الثوري الذي اجتاح الوطن العربي، حدثاً لا سابق له في تاريخ العرب المعاصر، ورغم أن موجات احتجاجات سابقة اجتاحت الوطن في أحداث تاريخية مثل الهجوم الثلاثي على مصر في 1956 أو أيلول الأسود 1970 أو حرب أكتوبر1973، لكنها المرة الأولى التي تتجذر فيها حركة الاحتجاج العربية في كل بلد لتتحول إلى قضية وطنية حيث تتواصل الحركة في كل بلد مع الحركات في البلدان الأخرى، وتتفاعل هذه الثورات والانتفاضات والحركات في تناغم جميل. ومن أهم دلالات الربيع العربي ما يلي:

1. أن الربيع العربي يعبّر عما يربط المواطنين والشعوب العربية من رابطة قومية وتواصل وجداني، اتخذ في الماضي نزوعاً إلى التحرر من الاستعمار وتحرير فلسطين والوحدة العربية، ويتخذ حالياً نزوعاً نحو الحرية والديمقراطية والكرامة. وإلا كيف نفسر التفاعل مع الحدث التونسي ثم المصري ثم اليمني والسوري والبحريني والليبي والموريتاني... إلخ عبر الوطن العربي، دون الانتقال إلى بلدان إسلامية أو آسيوية أو إفريقية، رغم تشابه ظروفها معنا ورغم الروابط العديدة التي تربطنا بها، فالربيع العربي هو ظاهرة عربية لأنه نتاج أوضاع عربية.

2. منذ سنوات ونحن نشخّص النظام العربي بأنه نظام عاجز، لكن الوضع وصل إلى مرحلة لا سابق لها، حيث الانهيار الداخلي في أكثر من بلد عربي، والعجز عن النهوض بالمهام القومية والتبعية للأميركي وللعدو الصهيوني، فقد بلغت مداها وتتكشف الحقائق عن تحول زعماء عرب إلى عملاء لأميركا و «إسرائيل»، وليسوا أصدقاء أو حلفاء.

3. من خلال التطورات طوال العقود الثلاثة والأربعة، فلم يعد هناك فروقات تذكر بين الأنظمة الملكية والجمهورية التي أضحت تقليدية، حيث الحكم المديد للرئيس لعقود من الزمن، وحيث التوريث أضحى مفروغاً منه. ففي مصر وليبيا واليمن، كان التوريث جاهزاً لولا أن أحبط الربيع العربي هذا المسار.

هذه مؤشرات انحطاط الأنظمة الجمهورية العربية التي صعدت إلى الحكم تحت شعار القضاء على الأنظمة العربية الفاسدة والعميلة، والوعود بالنهضة والحرية والتحرير وحتى الاشتراكية والديمقراطية عند البعض. لكن الحصاد يظهر لنا أنها أضحت أسوأ من الملكيات التي أطاحت بها، من هنا فإن عنف الثورة أقوى في الأنظمة الجمهورية منه في الأنظمة الملكية.

4. لقد أوصلت الأنظمة العربية الأوضاع في بلدانها إلى أوضاع مسدودة الأفق. شخصت تقارير التنمية الإنسانية والبشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وكذلك تقارير الشفافية الدولية وغيرها من التقارير والدراسات، التراجع المخيف في الحريات العامة، والتنمية، والعلوم، والحقوق، وأوضاع المرأة والشباب في كل البلدان العربية بدرجات بما في ذلك بلدان النفط الخليجية وليبيا والجزائر.

إنه وضع أوصلنا إلى حالة العجز الشامل وانسداد الآفاق والآمال.

وفي هذا الصدد فقد انخفض مستوى النخبة الحاكمة من كونها تعبيراً عن تحالف حاكم إلى دائرة حاكمة ضيقة القاعدة، تحتكر السلطة والثروة. ولم يعد يتورع الزعيم أو الرئيس أن يدخل في صفقات عقارية وتجارية على حساب المصالح الوطنية

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3269 - الجمعة 19 أغسطس 2011م الموافق 19 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً