العدد 1379 - الخميس 15 يونيو 2006م الموافق 18 جمادى الأولى 1427هـ

الإسلاميون والتسامح والليبرالية والديمقراطية

عبدالوهاب الأفندي comments [at] alwasatnews.com

كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن

دائماً ما تطرأ مشكلة عند مناقشة مفاهيم مثل التسامح والليبرالية والديمقراطية من منظور إسلامي، لأن المسلمين يفترضون أن هذه المفاهيم وتلك القيم وافدة من نظام آخر وأنهم بتبنيهم لها فإنه يطلب منهم التعامل في إطار نظام غريب عنهم. وتحمل هذه النظرة أحد محذورين: أولهما أنه يمكن تبني هذه المفاهيم وتطبيقها بالكامل مع محاولة تطويع القيم والنظم الإسلامية لها بالشكل الذي يكفل للمسلمين القول (إننا كنا دوما متسامحين وديمقراطيين،... الخ) وفي سعيهم هذا فإن المسلمين يجتثون من الفكر والمعلومات والتاريخ الإسلامي ما قد ينهض دليلاً على عكس ذلك. أما المحذور الثاني فهو محاولة رفض هذه القيم جملة وتفصيلا والقول بإنها قيم وأطروحات ومعتقدات وافدة يتعين على المسلمين لفظها لأن لهم نسق القيم الخاص بهم.

وهناك جدل حاد عن محاولات تحليل هذه القيم في إطار العقيدة الإسلامية. والكلمة المستخدمة اليوم للمرادف الإنجليزي tolerance هي تسامح وهي كلمة حديثة نسبيا بالنظر إلى ما تستدعيه من معان.

أما الجذور الأصلية لمعنى التسامح فقد أشير إليها في تاريخ الفكر الإسلامي بكلمة «سماحة» وهي قريبة جداً من «تسامح». وهناك حديث عن النبي (ص) يقول: (رحم الله عبدا، سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى» أي طالب برد ديون له عند الآخرين.

وتتجلى أهمية التسامح في العلاقات مع اتباع ديانات أو ثقافات أخرى. والإسلام هو أول عقيدة توحيدية في العالم تقبل ببقاء الآخر على دينه. وكان هذا المفهوم غير مألوف حتى فترة غير بعيدة مضت. ويمكننا في هذا السياق أن نقارن بين الطريقة التي كان يعامل بها النصارى واليهود في المجتمع الإسلامي، وبين المعاملة التي لقيها المسلمون في إسبانيا بعد سقوط الأندلس وإعمال المسيحيين الاسبان القتل والتطهير العرقي في كل من يحمل الهوية الإسلامية. وسادت إبان ذاك فكرة أنه لا يوجد هناك سوى دين واحد وأنه لا يمكن إلا أن يكون هناك أتباع ديانة واحدة في مساحة معينة من الأرض.

أما في الإسلام فقد رسخ مفهوم حرية الإيمان وحرية الكفر منذ البدايات الأولى لظهور هذا الدين، بل كفل الإسلام حرية تعدد التفاسير والنظرات للدين الواحد.

وفي البداية كانت هناك صعوبة عند المسلمين في تعدد المذاهب والمدارس الفقهية، فقد كان هناك مفهوم وحدة المسلمين الذي نص منذ بداية الإسلام على وجود قائد واحد للمسلمين يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه. ونوقشت آنذاك فكرة وجود قائد ثان لكنها رفضت على الفور.

وتجلى هذا لاحقا في ضرورة أن تكون هناك وحدة واحدة متماسكة. أما مفهوم التعددية في إطار الأمة فقد ظهر في صدر الإسلام لكنه سرعان ما توارى واختفى. وقد تسامح معاوية بن أبي سفيان مع الخوارج، وترك لهم حرية التعبد في مساجدهم وكفل لهم ما لغيرهم من المسلمين من حقوق شريطة ألا يلجأوا إلى العنف. لكن الخوارج لجأوا إلى العنف فانهارت فكرة التعايش هذه. وربما لهذا السبب لم يترسخ فقه الاختلاف في الإسلام منذ البدايات الأولى لظهور هذا الدين.

لذلك، فإنه على مدار التاريخ الإسلامي أخذ القبول بوجود مذاهب ومدارس فقهية وقتا كي يترسخ بشكل تدريجي. واعترف الإسلام بوجود استثناءات لكن الوضع المثالي ظل في ان تكون الأمة موحدة خلف مذهب بعينه.

وبعد ذلك تطور الأمر وترسخت فكرة تعدد المذاهب الفقهية، لكنه وحتى الآن يجد المسلمون صعوبة في تقبل هذه الفكرة. وهناك ميل عام إلى النظر إلى أتباع مذهب مختلف على أنهم مخطئون بالتأكيد، ولابد لهم لتصحيح هذا المبدأ أن يتبعوا المذهب السائد. وإذا لم يفعلوا ذلك تبذل محاولات لإقناعهم فإن لم يقتنعوا أكرهوا على ذلك.

وهناك حاجة الان إلى إعادة التفكير في هذا التصنيف الفئوي. ويجب ألا يملى ذلك كلية على المسلمين من خارج بلادهم. الفكرة هي أنه على المسلمين ان يكونوا متسامحين لانه في الغرب يتحدث الناس عن هذه الفكرة وعلى المسلمين أن يحذوا حذوهم. وهناك مشكلات حقيقية داخل المجتمعات الإسلامية ذاتها. فالأصوات المعتدلة التي تدعو إلى التسامح عادت لترتفع خلال ما سمي بعصر الصحوة الإسلامية.

لكن هناك أيضاً اصواتاً متطرفة لأناس يقولون إنهم، وهم فقط، على الحق ومن دونهم على باطل. وعادة ما كان الرد على هؤلاء النفر بالقول «لا بل أنتم على باطل، وإنما نحن الذين على الحق». وفي هذا الإطار لم تلق فكرة تعدد الأصوات والمذاهب بدلا من تصنيف الناس إلى مصيبين ومخطئين، لم تلق، اي قبول.

يجب على المسلمين أن يراجعوا الكيفية التي يتعين أن يتعاملوا بها مع بعضهم بعضاً ومع العالم الخارجي الذي يضم أناساً مختلفي العقائد والأجناس والأديان. والمفارقة أن المسلمين أنفسهم من مختلف المشارب تجمعهم الظروف في عالم اليوم أكثر وأكثر. ففي الدول الغربية توجد تجمعات إسلامية كبيرة العدد من دول كثيرة ومن قارات متباعدة وتختلف ألوانهم وثقافتهم وأجناسهم. وأحياناً يؤم هؤلاء المساجد ودور العبادة نفسها. وقد أثار ذلك جوا من الجاذبية وأحياناً مناخا من التشاحن، لكنه أظهر - وهذا هو الاهم - مدى تنوع المجتمع الإسلامي.

ويواجه المسلمون في بلاد الغرب وغيرها أوقات عصيبة في أيامنا هذه، كما يتزايد وعي المسلمين بالكيفية التي تؤثر بها على العالم الإسلامي حوادث من خارجه، وبالكيفية التي تؤثر بها الحوادث داخل العالم الإسلامي على أناس آخرين. يجب أن تزيد مساحة الحوار بين أبناء العالم الإسلامي لكي يفهموا بعضهم بعضاً بشكل أفضل. إن ثمة فكرا جديدا يتشكل الآن عن تطور الإسلام، والواقع الجديد في عالمنا المعاصر يدعو إلى فكر جديد تتعاظم فيه أهمية أن يعيد المسلمون النظر في الطريقة التي يتعاملون بها مع فكرة تعدد المذاهب والرؤى دخل المجتمع الإسلامي ومع العالم الخارجي.

ملاحظة: ينشر هذا المقل بالتعاون مع المنبر الدولي للحوار الإ سلامي - لندن

إقرأ أيضا لـ "عبدالوهاب الأفندي"

العدد 1379 - الخميس 15 يونيو 2006م الموافق 18 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً