العدد 1374 - السبت 10 يونيو 2006م الموافق 13 جمادى الأولى 1427هـ

«العنصريون» العرب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

العنصرية ليست هي فقط سياسة الفصل العنصري التي مارسها المهاجرون البيض «البوير» من هولندا وألمانيا ضد الأكثرية السوداء في جنوب إفريقيا، وإنما هناك أشكالٌ أخرى أشد فتكاً وتأزماً ولا إنسانية في عالمنا العربي اليوم. هذه العنصرية العربية القبيحة تهلل للقتل في العراق وتلعنه في بلادها، فدماء العراقيين لم تعد عربيةً بعد إسقاط صدام حسين، وهذا الشعب العربي العريق... حوّلته أطروحات التعصب الطائفي في غمضة عينٍ إلى شعب من العجم!

ما يحدث عربياً ليس له علاقةٌ بدينٍ ولا مذهبٍ إسلامي ولا فكر. ما يحدث هو مواقفُ عنصريةٌ شائهةٌ تتقنّع بالدين، تستسهل قتل البشر وتستشكل على قتل البعوض والحشرات. ووسط هذه الفوضى، تصطف بعض جيوب «المثقفين» للدفاع عن عمليات القتل على الهوية، وتتحوّل بعض الفضائيات إلى أبواقٍ تمجّد ثقافة قطع الرؤوس.

اليوم لم يعد الحب وحده «يعمي ويصم»، وإنما العصبيات القبلية والطائفية والمذهبية تعمي وتصم وتطم أيضاً. من هنا هذا الدفاع العجيب عن أفعال الزرقاوي الذي سيقابل ربه ويداه ملطختان بدماء أكثر من خمسة آلاف «إنسان» عراقي، لا ندري بم سيجيب ربه عن سبب قتلهم وسفك دمائهم. أغلبهم مسلمون، والبقية الباقية من «أهل الكتاب» العراقيين، لن يعثر أحدٌ من المدافعين عنه على آيةٍ كريمةٍ أو حديثٍ شريفٍ يبرّر ترويعهم وقتلهم بالمفخخات وتفجير كنائسهم ومعابدهم.

إذا اختلف المسلمون في تقييم الأمور أو التبست عليهم المسائل، فالأولى الرجوع إلى الأحكام «البديهية» في الإسلام، الذي يعتبر قتل الإنسان من الكبائر ويتوعد القاتل بالخلود في النار. آيات القرآن الكريم حجةٌ على كل هؤلاء: «من قتل نفساً بغيرِ نفسٍ أو فسادٍ في الأرضِ فكأنما قتل الناسَ جميعاً» (المائدة: )، ومع ذلك يخرج من يرد على الله جلّ جلاله قائلاً: «لكنها مقاومة»!

الزرقاوي، صاحب مشروع إشعال الفتنة الطائفية في بلاد الرافدين، مسكوتٌ عنه ومرغوبٌ فيه، مادام يحصد أرواح العراقيين، ويجد في بلاده من يهلل ويكبّر لأفعاله. ثلاثة أعوام وهو يتفاخر بإرسال المفخّخات لقتل المدنيين في أسواق العراق ومساجدها ومطاعمها وشوارعها، وسط صمتٍ عربيٍّ رسميٍ وشعبي مخجل. وحين يقرر نبي الأمة (ص) قانوناً اجتماعياً عادلاً بصريح العبارة: «بشّر القاتل بالنار»، أو «بالقتل»، يخرج بعض «إسلاميي آخر الزمان» ليردوا عليه بالقول: «إنه رجل رباني موفق ومجاهد»!

النخوة العربية لم تتحرّك إلا عندما تجاوز حدوده، وأرسل من يفجّر حفلة عرس ويقتل في أحد فنادق عمّان. حينها قامت القيامة، ونزل الأردنيون إلى الشوارع في غضبةٍ عارمة، فقتل خمسين أردنياً «جريمة كبرى»، تستوجب توقيع العشيرة صكّ تبرؤ منه وإهدار دمه.

هذه الازدواجية وانفصام الشخصية والتناقض في المواقف، «تهش» للقتل والتفجير في العراق وتحرّض عليه، ولكنها ترفضه وتتظاهر ضده إذا ضرب في عمّان أو الدار البيضاء أو شرم الشيخ.

هذه «الروح» العربية المأزومة، هي نفسها التي تمرّر للأميركيين معلومات استخباراتية مهمة أدت إلى رصد تحركات الزرقاوي ومن ثم استهدافه، «ثأراً لشهداء الفنادق» كما قال أحد المسئولين بالحرف الواحد. فـ «شهداء الفنادق الخمسون» هم الذين حرّكوا النخوة العربية الهامدة، فيما عجزت دماء وأشلاء خمسة آلاف عراقي عن تحريكها! فلك الله يا عراق من جور العنصريين العرب

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1374 - السبت 10 يونيو 2006م الموافق 13 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً