العدد 1374 - السبت 10 يونيو 2006م الموافق 13 جمادى الأولى 1427هـ

فرصة للعراقيين

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

غياب الزرقاوي عن المشهد السياسي يعتبر في مختلف المقاييس خطوة كان لابد منها لإعطاء فسحة زمنية للقوى الفاعلة في بلاد الرافدين لإعادة التفكير في مصير العراق ومستقبله. فهذا البلد شهد من التقلبات والمتغيرات ما يكفي، لذلك لابد الآن من وقفة تقرأ المشهد العام من جديد وتعيد النظر في الكثير من السياسات التي اتبعتها المجموعات التي يتكون منها العراق.

حضور الزرقاوي العنيف سبب الكثير من التوتر، وأسهم في تكوين مواقف اتسمت بالحدة والتطرف، ودفعت بعض الاتجاهات إلى استخدام الطائفية والمناطقية والمذهبية سلاحاً للدفاع أحياناً أو للهجوم في حالات أخرى. فهذا السلاح الخطير استخدمه البعض اضطراراً أو ردة فعل بذريعة أن الطائفية تشكل الملاذ الأخير للحماية الأمنية وتحفظ النواحي والأحياء من التفكك أو الاختراق.

الآن لابد أن تسقط هذه الذريعة السلبية التي شجعت عليها تهديدات الزرقاوي وبررتها وأعطتها شرعية مضادة تحت ستار «حق الدفاع عن النفس في حال تعرض الشرف للمخاطر».

غياب الزرقاوي لابد أن يعطي فرصة جديدة للأطياف العراقية بالعبور من منطقة الخطر والانتقال إلى مساحة جغرافية يمكن التفاوض عليها لتحديد الخيارات المشتركة التي تهدف إلى حماية النوع البشري من الانقراض باسم شعارات سفيهة وتافهة.

هذه الخطوة الايجابية لابد من اتخاذها بغض النظر عن الجهة التي ستبادر إلى إعلانها. فالخطوة ضرورية حتى يعاد تشكيل وعي إنساني مشترك يضع حداً لهذه المهزلة التي انتهت في الشهور الثلاثة الأخيرة إلى قطع ستة آلاف من رؤوس البشر.

ليس مهماً من يبادر إلى خطوة «رفع المصاحف» بل المهم أن يملك أحد الأطراف الشجاعة للإعلان عن الخطوة المطلوبة وهي لاشك ستلقى التجاوب المطلوب من معظم الأطراف، وذلك لسبب عادي هو أن الكل يملك الاحساس بوجود مخاطر لا متناهية من استمرار هذه «الفوضى البناءة» التي جرف إليها الاحتلال أهل العراق.

الاحساس بالانقراض عادة يؤسس فكرة إنسانية بسيطة وهي ضرورة التعاون المدني لحماية الناس والمحافظة على بقاياهم لاستكمال مسيرة الدنيا والحياة. والاحساس بالخطر يساعد دائماً على التفكير في وسائل للخروج من مأزق تورطت فيه البلاد بقرار خارجي صنعته كتلة شريرة تحكم «البيت الأبيض». والاحساس باحتمال الانتحار الجماعي يشكل بداية يقظة أو انتباه لخطورة ما يحصل. فما يحصل يفوق التصور ولا يمكن وقفه إلا بوقوع صدمة. والصدمة وقعت وهي غياب الزرقاوي عن المشهد العراقي.

لابد من التحرك السريع واستغلال اللحظة قبل أن تفوت الفرصة وتنشغل الأطراف من جديد في منازعات تافهة على الحصص والمقاعد والكراسي بينما المطلوب انقاذ العراق كله من دوامة العنف التي أخذت تهدد النسيج الاجتماعي بالتفكك الشامل.

هذا التحرك سيرفضه «الزرقاويون»، ولذلك تتطلع القوى الخيرة إلى أخذ مبادرة عاجلة والاسراع في إعادة إنتاج تسوية داخلية وبقرار عراقي مستقل عن تأثيرات الخارج وهيمنة الاحتلال وتلاعبه السياسي بالطوائف والمذاهب والمناطق.

القوات الأميركية تحالفت موضوعياً مع «الزرقاوية» لإنهاك شعب العراق وإذلاله وذره إلى «فتافيت» من القوى تتزاحم على غنيمة يشرف الاحتلال على توزيعها وتقسيمها... تاركاً للزرقاوي التكفل بما يفيض من بشر للقضاء عليهم.

هذا التحالف الموضوعي شاء القدر أن يفككه ميدانياً، الأمر الذي وفر مناسبة للقوى الواعية للتحرك سريعاً والبدء في وضع خطة مشتركة تطرح برنامج أولويات يقوم على إعادة القيمة للإنسان. فمن دون احترام لحياة الإنسان وحقوقه لا معنى لكل ما يطرح من صيغ أيديولوجية وشعارات سياسية. فالإنسان أولاً والإسلام أصلاً جاء من أجل إعلاء شأنه. والعراق ثانياً. والدولة ثالثاً. وكل هذا يتطلب الوحدة والاتفاق على طرد الاحتلال وانتزاع الاستقلال والسيادة... ومنع الولايات المتحدة من استخدام بلاد الرافدين معبراً للعدوان على دول الجوار.

غياب الزرقاوي يشكل فرصة للعراقيين ويعطي فترة مريحة لأخذ نفس والبدء في التفكير في مشروع وطني مشترك يعيد الاعتبار لكرامة الإنسان الذي أهين وأذل باسم «الديمقراطية»... وربما يمهد الطريق للتفاهم على برنامج أولويات يسقط فعلياً ذاك البرنامج الطائفي والمذهبي والمناطقي الذي استدرج شعب العراق للوقوع في مصيدته

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1374 - السبت 10 يونيو 2006م الموافق 13 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً