في صباح مارس/ آذار انتقل إلى جوار ربه سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وأعددنا في سفارة البحرين كتابا لتقبل التعازي ابتداء من اليوم التالي إلا أنني في اليوم نفسه تلقيت الكثير من التعازي عبر الهاتف وبالزيارة من معظم رؤساء البعثات العربية المعتمدين في تونس والكثير من المسئولين والشخصيات التونسية، كما بعثت برقيات التعزية إلى عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة ورئيس الوزراء صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان. من ناحية ثانية، أكدت لنا إدارة المراسم بديوان الرئاسة التونسية عزم الرئيس زين العابدين بن علي على تقديم العزاء بوفاة أميرنا الراحل، وحدد صباح يوم مارس إلا أن الوقت لم يحدد بصورة دقيقة لدواع أمنية احترازية، وراوح ما بين الساعة التاسعة حتى الحادية عشرة صباحاً. ووصل الرئيس بن علي إلى منزلي الساعة العاشرة والربع، وكانت إدارة المراسم أحضرت معها كتاب التعزية وفيه كلمة العزاء مدونة ومعدة بخط جميل، إذ قام الرئيس بن علي بالجلوس على الكرسي المعد حيث قرأ الكلمة ومن ثمة قام بالتوقيع عليها، وهذا عادة هو الإجراء المتبع في مثل هذه الأحوال.
ولبث الرئيس في منزلي قرابة عشرين دقيقة، وأشاد بمناقب الفقيد الراحل وما عرف عنه من صفات كريمة وسجايا حميدة، وطلب نقل تحياته إلى عاهل البحرين جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. وأعجب كثيراً بالقهوة العربية الخليجية التي قدمت بالدلة الفضية وفناجين القهوة التقليدية التي مزجت بالهيل. وتفيد الأبحاث الطبية أن الهيل الأخضر وهو الدارج استعماله في البحرين ودول الخليج العربية والسعودية عندما يمزج مع القهوة يخفف من تأثير الكافيين على القلب، وأن في بذور الهيل زيتا له رائحة ذكية عبقة، كما أنه في مأثوراتنا الشعبية له فائدة لعلاج الكثير من الأمراض. وجرت العادة أن يتناول أبناء الجزيرة والخليج هذه القهوة مع التمر اللذيذ بأنواعه المختلفة. وكانت فرصة للتحدث عن أنواع الدلال ما بين الفضية والبيضاء والصفراء الذهبية. وهذا العام شهد أيضاً وفاة جلالة الملك حسين عاهل الأردن في شهر فبراير/ شباط ، كما شهد وفاة العاهل المغربي الملك الحسن خلال شهر يوليو/ تموز. وإن أنسى فلا أنسى زيارة سمو الشيخ عيسى بن سلمان لمنزلنا في أم الحصم خلال شهر أبريل/ نيسان ، إذ تفضل بتقديم العزاء لي ولأسرتي في وفاة والدي. وأذكر أنه جاء في موكب بسيط للغاية من غير حراسة أمنية أو ترتيبات بروتوكولية. وهل ينسى المرء استقباله الحميم في أكثر من يوم أسبوعياً في مجلسه العامر في قصر الرفاع حيث يؤمه قطاع كبير من أبناء البحرين من مختلف الطبقات، وكذلك من كل المقيمين على أرض البحرين إذ تبقى الأبواب مفتوحة للجميع. وعندما طلب منه الموافقة على تشديد الإجراءات الأمنية المتخذة رفض ذلك وأصر على العكس، بالمزيد من الانفتاح والترحيب بالجميع، الذي يبدأ عادة في الساعة السابعة صباحاً.
وأذكر أن سموه زارنا في نيويورك بتاريخ يناير/ كانون الثاني في زيارة قصيرة، وكان مجلسه الصباحي في فندق الولدورف ستوريا مفتوحاً أيضاً لكل أبناء البحرين أو الزائرين في أميركا، وأمه الكثير منهم، كما شاركوا في مائدته المفتوحة ليس فقط للمرافقين لسموه وللعاملين في بعثتنا الدبلوماسية في نيويورك أو سفارتنا في واشنطن. وفي هذه الزيارة جاء سموه لعيادة شقيقه رئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة الذي كان يخضع لعلاج ولعناية طبية في مدينة هيوستن. وكعادة الأمير الصباحية يؤم مجلسه المفتوح في صالون الفندق الواسع الذي تحيط به المطاعم والمتاجر الصغيرة سائر زائريه. وأذكر أن اثنين من رعاة البقر الأميركيين، هما بملابسهما التقليدية وقبعاتهما استعرضا أمام سموه مهارتهما في إطلاق النار بالمسدسات والبنادق المختلفة الأحجام. وبدا الشيخ خليفة بن سلمان أنيقاً ووسيماً في زيه الإفرنجي الذي يحرص عليه في سفراته ورحلاته عندما يكون خارج الوطن. ولأميرنا اعتزازه بتقاليده وعاداته العربية وافتخاره بزيه العربي الأنيق والجميل معاً، وبقي الأمير في هيوستن لعدة أيام، وزرتها بحكم عملي، إذ تشرفت بلقاء سمو الأمير الراحل وسمو رئيس الوزراء، وكان الرئيس الأميركي رونالد ريغان آنذاك اتصل بسمو الأمير سائلا عن صحة شقيقه ومطمئنا عليه
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1374 - السبت 10 يونيو 2006م الموافق 13 جمادى الأولى 1427هـ