تناولنا التحديات التي يواجهها الحزب الشيوعي الصيني في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، في عدة محاور: تحدي التجديد الفكري، الأقليات القومية، تحدي الشباب، النمو الاقتصادي، واليوم نتناول المحور الأخير وهو الدور الدولي للصين في القرن الجديد.
التحدي الخامس: هو تحدي الدور الدولي للصين في القرن الحادي والعشرين، لقد تبنى الحزب الشيوعي الصيني مبدأ نشر الفلسفة الشيوعية وتصدير الثورة في مرحلة ماوتسي تونج، ثم تبني مبدأ التعاون الدولي والتخلي عن نشر الشيوعية بل رفض مبدأ نشر النموذج الصيني الجديد، مركزاً على مبدأ البراغماتية العملية في التعاون الدولي في العقود الثلاثة الماضية. السؤال المطروح الآن هل يمكن الاستمرار في هذا الدور الذي يصفه البعض بأنه دور يركز على الصين، ويتجاهل مشاكل العالم وطموحات أجياله، في حين أن الصين عضو دائم في مجلس الأمن، وعليها مسئولية دولية تجاه الكثير من دول العالم، وتجاه الأمن والسلام العالميين. هل تستمر الصين تنتهج مبدأ الامتناع عن التصويت في معظم قرارات مجلس الأمن؟ أو استخدام الفيتو فقط في حالة المساس أو الاقتراب من المصالح الصينية المباشرة؟ لقد أصبحت الصين عضواً رئيسياً في إدارة العالم الاقتصادي بانضمامها ومشاركتها في مجموعة العشرين، وبعضويتها في منظمة التجارة العالمية، وفي مؤسسات بريتون وودز البنك الدولي وصندوق النقد الدولي،هل تستطيع الصين الاستمرار في الفصل بين السياسة والاقتصاد الذي تتبعه حتى الآن؟ أم أن المرحلة المتقدمة في الاقتصاد الصيني واندماجها في العالم تدعو لابتكار سياسة وفكر جديد ينتهجها الحزب في تعامله مع دول العالم؟ إن الحزب الشيوعي الصيني بمنهجه التقليدي في التعامل مع الأحزاب الحاكمة، والنظم الحاكمة، بغض النظر عن فسادها أو دكتاتوريتها، وبغض النظر عن انتهاكها لحقوق الإنسان والحريات الأساسية بما في ذلك حقوق الطبقة العاملة وطبقة الفلاحين، الذين مثلوا عماد الحزب عبر السنين، نقول إن هذا المنهج في حاجة لفكر جديد وأسلوب عمل جديد.
والخلاصة لقد حقق الحزب الشيوعي الصيني أكبر معجزة في القرن العشرين بتحويل الصين من دولة فقيرة متخلفة إلى قوة اقتصادية كبرى ذات وزن سياسي دولي. وتمتلك السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل والصواريخ عابرة القارات والأقمار الصناعية وتكنولوجيا الفضاء وتكنولوجيا المعرفة، وهو في هذه المرحلة يصعب أن يقف بمعزل عن التطورات والأحداث الدولية.
لقد نجح الحزب الشيوعي الصيني في الحفاظ على وجوده ودوره في النظام السياسي، رغم تغير فلسفة النظام عبر السنين، وأثبت جدارة في الحفاظ على وحدة الدولة واستقرارها. ولكنه يواجه اليوم تحديات القرن الحادي والعشرين، وعليه أن يُدخل المزيد من التطور الفكري والمنهج العملي ويحافظ على نقاء الكوادر، وصفاء الأيديولوجية، بما يتماشى مع متطلبات القرن الحادي والعشرين، وبذلك يضمن الاستمرارية ويتجنب ما حدث في الاتحاد السوفياتي السابق.
إن الزعيم الجديد للحزب الشيوعي الصيني والكوادر الجديدة التي نشأت في العقود الثلاثة الماضية أمامها أكبر التحديات لبلورة دستور جديد للحزب، يعكس طموح شعب الصين بكافة قومياته، ويعبر عن متطلبات القرن الحادي والعشرين. ولقد أثبت الحزب الشيوعي الصيني خلال العقود التسعة الماضية ما يمكن أن نطلق عليه «المرونة أو الصلابة المرنة» أو بالإنجليزية Resilience، وهذا ما يدعونا للتفاؤل باستمرار دور الحزب في العقود القادمة في إطار مثل هذه المرونة الصلبة أو الصلابة المرنة.
التساؤل الأخير الذي نطرحه هو إلى أي حد يمكن لنا كعرب الاستفادة من هذه التجربة التي تجمع بين المبدأ والبرغماتية وتتطور متجاوبة مع الظروف المتغيرة ولا تحصر نفسها في تاريخ مضى وتعيد اجتراره كما نعيش نحن الآن في صراعات مرت عليها قرون، وعظمة لا وجود لها حاليا، إننا نعيش الحاضر بتاريخ وعقلية الماضي ومآسيه وشكوكه وصراعاته وأوهامه وأحلامه في كثير من الأحيان لهذا يتقدم العالم ونتأخر نحن. هل من عقلانية يتولى نشرها والدعاية لها نخبة مستنيرة من مفكرينا وحكامنا ونتجاوب معها كشعوب؟
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3259 - الثلثاء 09 أغسطس 2011م الموافق 09 رمضان 1432هـ