العدد 1393 - الخميس 29 يونيو 2006م الموافق 02 جمادى الآخرة 1427هـ

رجحيم البوسنة!

محمد المخلوق comments [at] alwasatnews.com

مضى على هذه الحادثة أكثر من أربعة أعوام، ولازلت أذكرها بمزيد من الاستغراب والشغف والتساؤل! في حجتي الأولى لمكة المكرمة، وحينما كنت عائداً من رحلة تسوق مع العائلة لفت نظري رجل بدت ملامحه أوروبية، فتلطفت معه لأعرف عالماً آخر غير الشرقي ارتبط بالنبي العربي «محمد بن عبدالله»، وآمن بدعوته الخلاصية عن اقتناع على رغم كل هذه المسافة...

وجدت أن الرجل من البوسنة، التي يبلغ عدد سكانها , ملايين نسمة، ويشكل المسلمون في المئة منهم، والباقون مسيحيون (أرثوذكس، كاثوليك). وصاحبنا بروفيسور في الفلسفة الإسلامية ومحاضر في إحدى الجامعات هناك. تجاذبنا أطراف الحديث، إذ بدا صاحبنا مستاءً جداً من الوضع الذي يعيشه الحجاج في مسيرتهم لأداء المناسك، مستغرباً التخلف في التطور والخدمات، ومتمنياً أن لو كانت مكة بيدهم - لا أدري يقصد البوسنيين أم الأوروبيين - لبدت مختلفة تماماً، وظل الحديث يجر الحديث حتى دخلنا في الواقع الإسلامي باصطراعاته وتجاذباته، ورحت بدوري - ومن باب التوضيح - أشرح له خلفيات هذا الواقع الذي يبدو أنه لا يعرف كثيراً من خباياه، وطرحت فكرة أن الأيدلوجيات المختلفة مستندة إلى النصّ الديني نفسه، من باب التبرير لطبيعة الاختلاف وإفرازاته، فلم أجد من صاحبي إلا الاستنكار لكل هذا التخلف العقلي، والاستهجان لما نعيشه من ضيق في الأفق، فعلمت حينها أنني أتحدث مع رجل يعيش في «الغرب» بما تعنيه هذه الكلمة من أفق آخر متطور له ديناميكيته المختلفة تماماً عما نعيشه نحن المسلمين في المشرق العربي.

أدركت حينها أن محاولات تسويق كثير من المفاهيم كولاية الفقيه الشيعية أو إمارة المؤمنين السنية أو الأفكار الطالبانية قد يبدو في بعض اللحظات تشويشاً وخطراً داهماً يمكن أن يفسد طبيعة أولئك المسلمين، ويخلق منهم مشروعات فتنة كالتي تشتعل عندنا في خطوط ساخنة كأفغانستان وباكستان و... وليس آخرها العراق.

ولكن يبدو أن هذه المخاوف غدت حقيقية، فقد نشرت إحدى الصحف المحلية قبل أسابيع تقريراً عن وكالة «فرانس برس» يتحدث عن إحدى الجماعات المتطرفة دينياً عنوانه «الـ .... يقوضّون التقاليد المعتدلة لسراييفو»، جاء فيه أن بروز هذا التيار المتشدد في سراييفو كان إفرازاً لحرب البوسنة ( - ) ووصول آلاف المجاهدين العرب للقتال بجانب المسلمين البوسنيين، وكما يحدث عندنا حينما تبث العمالة الوافدة بشتى تنوعاتها تقاليدها وأفكارها وربما عقائدها قليلاً قليلاً، فقد حدث الأمر ذاته، إذ انتشرت الأفكار المتطرفة في البوسنة وبدأت أعداد المتأثرين بهذا الفكر من الشباب في التزايد، وسط سكوت السلطات الدينية والعلمانية معاً، تواطؤاً، أو خوفاً وهو الاحتمال الأقرب.

التعبير عن القناعات بالعنف، واستخدام «اليد» في النهي عن المنكر دفع أحد المتراجعين عن هذا الفكر إلى القول: «الإسلام البوسني التقليدي متسامح، ولا نستطيع أن نسمح لممثلي هذا الفكر الفريد بإعطائنا دروساً»، فعشرون عاماً على هذه الوضعية ستحول البوسنة إلى «جحيم»

العدد 1393 - الخميس 29 يونيو 2006م الموافق 02 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً