العدد 1392 - الأربعاء 28 يونيو 2006م الموافق 01 جمادى الآخرة 1427هـ

العبرة في النهاية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

نفذت حكومة إيهود أولمرت تهديداتها وبدأت باجتياح قطاع غزة وتدمير بنيته التحتية. أولمرت أطلق على عدوانه اسم «أمطار الصيف» وأوضح أن الاجتياح لا يستهدف إعادة الاحتلال، وإنما يريد استرجاع الأسير الإسرائيلي (الفرنسي الجنسية).

إعادة الاحتلال ليست واردة بحسب كلام أولمرت، لأن رئيس الوزراء يدرك أن بقاء القوات الإسرائيلية في القطاع يعرضها لمخاطر عسكرية ولن يمكنها من السيطرة على غزة. فالهدف إذاً من الاجتياح هو تدمير البنية التحتية وتقويض المرتكزات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية وتأليب الشارع على الحكومة وتحريض بعض القوى السياسية المحلية للتحرك ضد «حماس».

هذه الأهداف لم يذكرها أولمرت في تصريحاته. فهو أشار إلى موضوع «الأسير». وهذا الموضوع ذريعة اتخذتها الحكومة الإسرائيلية لتمرير خطة تقويض القطاع من «الخارج» وتغطية لسياسة تحطيم قدرات غزة الذاتية من خلال استكمال مشروعات العزل والحصار وتشريد سكان «الحدود» وسد المعابر والمنافذ ومنع التحرك بسهولة بين مناطق القطاع.

استرجاع «الأسير» مجرد ذريعة استخدمتها حكومة أولمرت لتمرير خطة رُسمت منذ فترة وبُحثت خلال زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي إلى واشنطن. فالقرار باجتياح القطاع وتحطيمه اقتصادياً لم يكن ردة فعل وإنما هو فعل اعتمد على سياسات دولية ومعونات أميركية وسكوت أوروبي وصمت بعض الدول العربية. فمنذ فوز «حماس» في الانتخابات التشريعية وتكليفها بتشكيل الحكومة درست حكومة أولمرت سلسلة خيارات للاستفادة من هذا التطور باتجاه كسب تغطية أميركية - أوروبية لمشروع خطة التقويض التي تعتمد سياسة تحطيم البنى التحتية وتسجيل أكبر خسائر ممكنة في المطار والمرفأ والجسور والطرقات ومحطة الكهرباء وغيرها من مؤسسات مدنية صحية وتربوية.

راهن أولمرت أولاً على احتمال وقوع «حماس» في عزلة دولية بذريعة أن برنامج الحركة لا يعترف بدولة «إسرائيل» ولا يقر بتلك الاتفاقات التي وقعتها تل أبيب مع السلطة الفلسطينية. وراهن ثانياً على الارتباك العربي وتردد بعض الأنظمة في سلوكها السياسي وضياعها بين الموقف المؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني وحاجتها إلى الدعم الأميركي والمساندة الغربية. وراهن ثالثاً على الانقسام الفلسطيني وظهور وجهات نظر متباينة بين فريق يريد المحافظة على «مكتسبات» تحققت وفريق لا يمانع من التفريط بتلك المكتسبات (الصغيرة والتافهة) في سبيل إعادة فتح الملف من مختلف جوانبه. وراهن أولمرت رابعاً على الحصار الدولي (المسكوت عنه عربياً) لتجويع الشعب الفلسطيني والاقتصاص من شجاعته لتنفيذ خطة العقاب الجماعي بقصد زعزعة أمنه الداخلي وتثوير الناس ضد سلطة منتخبة يرى أنها لم تجلب للقطاع والضفة سوى المزيد من المتاعب.

هذه المراهنة المتعددة الرؤوس والاتجاهات فشلت كما يبدو أو أنها وصلت إلى طريق مسدود ولم تحصل تلك التوقعات الأميركية التي حددت عمر حكومة «حماس» بشهور ثلاثة. فالشهور الثلاثة مضت ولم تسقط الحكومة، كذلك بدأت تحقق نجاحات محلية وسجلت سلسلة اختراقات ميدانية لعمليات الحصار والتجويع.

فترة الانتظار مرت ولم تقع الحرب الأهلية السياسية بين «حماس» و«فتح» وبدأ في الأفق حالات تعاطف من جهات دولية (أوروبية) وآسيوية وروسية مضافاً إليها تلك المساعدات التي تجرأت بعض الأنظمة والمنظمات الأهلية على إرسالها من دون خوف من الإرهاب الصهيوني المدعوم أميركياً.

الاجتياح إذاً لم يأتِ رداً على أعمال عسكرية فلسطينية وأيضاً لم يتخذ القرار بسبب ذريعة استرجاع الأسير «الفرنسي الجنسية» وإنما خطة الاجتياح وُضعت منذ فترة طويلة وتحديداً بعد الإعلان عن نجاح «حماس» في الانتخابات. فالحكومة الإسرائيلية وجدت في فوز الحركة مناسبة لتنفيذ مشروعها التقويضي الذي يقوم على سياسة الافتراء وتحطيم البنى التحتية لسلطة تعاني أصلاً الحصار والتطويق وحالات شتى من الفقر ونسبة عالية من العاطلين عن العمل.

أولمرت أوضح أن الاجتياح لا يستهدف إعادة احتلال القطاع. وهذا التوضيح يكشف القصد من وراء استخدام ذريعة «الأسير» للعدوان على الشعب الفلسطيني. فالهدف تقويض تلك المرتكزات التي تعتمد عليها السلطة. أما إعادة الاحتلال، فإن حكومة أولمرت تدرك أنه عسكرياً ليس صعباً وإنما الصعوبة تكمن في احتلاله سياسياً... وهذا من سابع المستحيلات.

«إسرائيل» احتلت القطاع ثلاثين عاماً وانسحبت منه لذلك فإنها لا تستطيع أن تنجح في ثلاثة أيام ما فشلت في تحقيقه في ثلاثة عقود. لذلك سارع أولمرت إلى التأكيد أن الاجتياح ليس هدفه إعادة الاحتلال... وإنما التحطيم.

تدمير البنى التحتية ليس انتصاراً. فهذه الدولة تملك أحدث الأسلحة الأميركية وهي قادرة على توجيه ضربات عسكرية إلى مناطق بعيدة، وبالتالي فإن نجاحها في ضرب ثلاثة جسور ومحطة كهرباء واجتياح المطار يزيد من متاعب السلطة ولكنه سيرفع من احتمالات الرد السياسي على قوة ظالمة تستظل الغطاء الدولي (الأميركي) لتمرير خطط لم تنفع سابقاً ولن تنفع حالياً. فالعبرة في النهاية. والنهاية دائماً تكون حصة من ينتصر سياسياً وليس من يفوز عسكرياً. وفي النهاية قد ينجح أولمرت في تحطيم البنى التحتية ولكنه سيفشل في تحطيم البنى السكانية وإرادة البشر في كسب الحرية والعدالة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1392 - الأربعاء 28 يونيو 2006م الموافق 01 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً