العدد 1392 - الأربعاء 28 يونيو 2006م الموافق 01 جمادى الآخرة 1427هـ

صن يان صن والحرية الحمراء

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

إنه التاريخ يعيد نفسه، يتذكر الفلسطينيون جيلاً بعد جيل دائماً وأبداً الأيام العصيبة وكيف سقطت فيها المدن الفلسطينية مثل يافا وحيفا العام ثم سقط ما بقي من أراضي فلسطين بعد هزيمة حرب النكراء. ويشاركهم في هذه الذكرى الأليمة العرب قاطبة، واليوم يعيش الفلسطينيون ظروفاً حياتية واجتماعية صعبة وبالغة الخطورة. فهم محاصرون من «إسرائيل» المغتصبة لأرضهم ومن أميركا والدول الغربية، وكل جريرتهم اليوم هو فوز «حماس» التي قادت الحركة الوطنية مع فتح ومنظمات أخرى في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان الصهيوني.

لقد نجحت حماس في الانتخابات التشريعية بحسب الأنظمة الديمقراطية التي ينادي بها الغرب، وأحرزت فوزاً كاسحاً في تلك الانتخابات. واليوم تتعرض مدن غزة والضفة الغربية لحصار مالي واقتصادي ظالم. والأموال التي جمعت عربيا ودوليا لا يمكن تحويلها عن طريق المصارف لأنها تتعرض لضغوط دولية من أميركا والدول الغربية. أي مصير بائس ينتظر هؤلاء الفلسطينيين المحاصرين؟

إن «إسرائيل» تمنع البضائع والخدمات الأساسية من الوصول إلى داخل المدن الفلسطينية لأنها تسيطر على المعابر سيطرة كاملة، كما حالت دون وصول المشتقات النفطية وقطعت التيار الكهربائي عن مدنهم. والسؤال المطروح الآن، هو: هل تستطيع الدول العربية فك هذا الحصار الظالم والمقيم؟ أم أنها طنطنة كلامية لا تستقيم وواقع الحال الفلسطيني الماثل للعيان الذي ذكرني ببيت جميل للشاعر أحمد شوقي يعكس الواقع الفلسطيني بقوله:

وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق

إنه في يقيني قريب الشبه بواقع الصين إبان الحقبة الاستعمارية. لكن لنتأمل معا المشهد الصيني ولنستخلص منه العبرة والدرس، وعلينا أن ندرك أن للحرية ثمنا وتضحيات لابد من تقديمها. لقد ولد رجل عظيم في العام وهو صن يان صن، وفي العام كان في قوة الشباب وفتوته وريعانه، غادر بلاده الصين إلى أميركا وأقام بين الجالية الصينية الكبيرة في هونولولو ووجدها فرصة سانحة ليعلن قيام حكومة صينية مؤقتة في المنفى، وأطلق عليها «جمعية إحياء الصين»، مستمداً التأييد والدعم من جاليته الصينية بمواردها المالية الكبيرة ونفوذها الاجتماعي في وسطه الأميركي. وفي خطوة لاحقة أخرى ترأس حكومة صينية في مدينة كانتون، إلا أن هذه الحكومة مثل مثيلاتها الكثيرة والمبعثرة في طول البلاد وعرضها، فسعى صن يان صن بكل ما يملك من قوة وإقناع إلى استمالة كل من أميركا وبريطانيا وفرنسا لكي يعترفوا بحكومته المؤقتة في كانتون، لكن محاولته المتكررة ذهبت أدراج الرياح. وكان يتطلع إلى الاعتراف بحكومته من قبل هذه الدول الكبرى ومن ثم يتبادل السفراء معها، لكن من دون جدوى. وحتى برنامجه الإصلاحي المعلن لم يلاق إلا التجاهل والإهمال من هذه الدول التي طالما تتبجح أو تتغنى بمبادئ الحرية والحقوق المدنية في إعلامها الرسمي المبثوث خارج ديارها. وأصيب بخيبة أمل شديدة بسبب ان هذه الدول لم تشجع ولم تقف إلى جانب دعاة الإصلاح من الوطنيين الصينيين من أمثالهم.

ويعد صن من المدافعين عن النظام الجمهوري، وانتخب أول رئيس للجمهورية بعد ثورة ولقي تأييداً من الشعب الصيني وخصوصاً قطاع المثقفين والمفكرين، ويدخل ضمنهم الشيوعيون.

وعلى رغم كل الإخفاقات التي واجهها الزعيم الصيني صن يان صن في كفاحه لتحرير الصين من الهيمنة الاستعمارية الغربية فانه لم يداخله أي يأس أو يفت في عضده أو عزيمته أي قنوط أو تردد، لذلك بادر في العام إلى إقامة حكومة في نانكن، إلا أنها كانت ضعيفة لافتقارها إلى برنامج سياسي واضح يتصدى للأطماع الأجنبية ويأخذ على عاتقه إزاحة النظام الاجتماعي الإقطاعي وإحلال نظام إصلاحي مكانه. وخلال كفاحه رفع شعار المبادئ الثلاثة للشعب الصيني وهي الوطنية والديمقراطية ورفاهية الشعب وتهيئة العيش الكريم لأفراده. لقد تبنى كل ذلك ودافع عنه طوال حياته وهو ينشد مجتمعاً تسوده الحرية والمساواة والإخاء والعدالة.

كان الزعيم الصيني ذا أثر كبير على جميع الصينيين بمن فيهم الشيوعيون، ومات هذا الزعيم في العام تاركاً تراثاً حياً من المبادئ والقيم الإصلاحية. ويكفيه فخراً أنه وأنصاره من المثقفين الإصلاحيين مهدوا الطريق لثورة ، فهو ثوري ديمقراطي ودود ومثالي. وقد زرت قبره مع عدد من السفراء الأجانب في مدينة نانكين، إذ يعتبر قبره مزارا كبيرا لأفراد الشعب الصيني من مختلف الشرائح والفئات

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1392 - الأربعاء 28 يونيو 2006م الموافق 01 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً