العدد 1392 - الأربعاء 28 يونيو 2006م الموافق 01 جمادى الآخرة 1427هـ

الموازنة والاشكالية المزمنة

حسن العالي comments [at] alwasatnews.com

ليست اشكالية موازنة البحرين فحسب ولا دول الخليج العربي أيضاً، وإنما كل الدول التي تعتمد اعتماداً كلياً على موارد ناضبة أن اعتمادها الكلي على النفط - كما هو الحال في البحرين وبقية دول الخليج - يجعل منها وبصورة مزمنة تمثل امتداداً لدور النفط الخام في الاقتصاد، بل إن هذه الموازنات - وتحديداً جانب المصروفات - هي التي يصل من خلالها إلى الاقتصاد والمجتمع معظم تأثير إنتاج النفط الخام وتصديره.

وجدير بالتأكيد أن تأثير قطاع إنتاج النفط الخام غير المباشر، من خلال الدور الذي تقوم به الموازنات العامة، المعتمدة بدورها على ريعه، أكبر كثيراً من الدور الذي يقوم به قطاع إنتاج وتصدير النفط الخام مباشرة في تحريك الاقتصاد. وبذلك فإن الموازنات العامة في الدول التي طال اعتمادها على ريع النفط الخام، ليست مجرد أداة من أدوات السياسة المالية يعول عليها في ضبط الاقتصاد وتوجيه النشاطات، وإنما هي المرتكز الذي تبدأ منه حركة النشاطات الاقتصادية وتعتمد عليه الدورة الاقتصادية.

إن الموازنات العامة بحكم الأمر الواقع في البحرين هي الوعاء الذي تصب فيه عائدات النفط، ثم يتم من خلالها إعادة توزيع عائدات النفط. وقد زاد عبر الزمن اعتماد الاقتصاد والمجتمع على حجم ونمط الإنفاق الذي وفرته الموازنة العامة، من خلال قنوات وسياسات الإنفاق العام بفضل استمرار تدفق ريع النفط الخام وتصاعد عائدات الحكومة من النفط.

وقد قامت الموازنات العامة بالدور الذي كان يجب أن تقوم به مشروعات الإنتاج المباشر، بل إن معظم مشروعات الإنتاج السلعي والخدمي، باستثناء إنتاج النفط قد اعتمد على دعم مباشر وغير مباشر من موازنة الدولة. ولولا هذا الدعم لما قامت لغالبية المشروعات الصناعية الصغيرة والمقاولات والمشروعات الزراعية والصيد والمشروعات التجارية والخدمية قائمة، بل إن استمرار غالبية هذه المشروعات اليوم مرهون باستمرار تدفق الدعم المباشر وغير المباشر من خلال الموازنة العامة. من هنا يتبين لنا جلياً، اختلاف وظائف الموازنة العامة في البحرين وبقية دول المنطقة، عن وظائف الموازنة العامة في غيرها من الدول غير الريعية. فالموازنة العامة في الدول النفطية مسئولة بشكل مباشر عن استمرار توفير فرص العمل لقوة العمل المواطنة، وهي مسئولة عن توليد الدخول وتوفير فائض للاستثمار. وهي المسئولة أيضاً عن المحافظة على حجم الإنفاق الذي يتطلبه قيام آلة الدولة بوظائفها. هذا إلى جانب المسئولية التي ترتبت عليها تجاه المحافظة على مستويات المعيشة، والتي لا تعتمد على ارتفاع الإنتاجية في المجتمع، ولا ترتبط فيها المكافأة بالجهد، وإنما تمكنت الموازنة من توفيرها بفضل تدفق ريع الزيت الخام الذي شكل مصدراً سهلاً لتمويل التوسع في الإنفاق العام، ولاسيما أثناء فترات اليسر وظهور الفوائض النفطية.

من هنا يمكننا القول إن الموازنة العامة التي طال اعتمادها على ريع النفط الخام تواجه اشكالات حقيقية معقدة. وليس ما تواجه مجرد مشكلة إدارية أو فنية، أو أزمة من الممكن حلها ضمن إطار الواقع الاقتصادي والاجتماعي الراهن ومعطياته. ولعل وجود تلك الاشكالات قد حد من خيارات الدولة، كما قيد من حركتها لمواجهة العجز المستمر في الموازنات العامة، والذي اضطر الحكومة بدوره إلى تسييل ما يمكن تسييله من الاحتياطي العام والاقتراض بما أمكن اقتراضه وتحمل أعباء الديون، مرجئة بذلك القرارات الصعبة والقاسية المتعلقة بإصلاح الموازنة وإخضاع النفقات لمعايير الجدوى من النفقة العامة، وهي تعني في وجهها الحقيقي قرارات إصلاح الاقتصاد بصورة جذرية وشاملة، وهو موضوع بحاجة إلى وقفة منفردة

العدد 1392 - الأربعاء 28 يونيو 2006م الموافق 01 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً