نواصل في هذا المقال الحديث الذي بدأناه يوم أمس بخصوص صور استغلال العمالة الأجنبية في بلادنا. أشرنا يوم أمس إلى مسألة تأخير حصول بعض العمال الأجانب على رواتبهم وبالتالي أيدنا خطوة وزارة العمل في إلزام الشركات تحويل الرواتب عبر المصارف المنتشرة في البحرين.

وقف العمل وقت ذروة الحر

قدمت وزارة العمل إلى مجلس الوزراء اقتراحات بخصوص منع العمل أثناء ذروة الحر زائدا ضرورة توفير حافلات مظللة للعمال. تهدف هذه المقترحات في نهاية المطاف إلى تحسين ظروف العمل للعمالة الأجنبية والتي بدورها تمثل الأكثرية الساحقة في القطاع الخاص. يشكل العمال الأجانب ثلاثة أرباع العمالة في القطاع الخاص (تحديدا ألفاً في العام ).

باختصار ترغب الوزارة في استصدار قرار يقضي بوقف العمل في الشركات العاملة في مجال الإنشاء في الفترة ما بين منتصف النهار والرابعة عصراً لغرض حماية العمال من حرارة الشمس والتي تشتد أثناء هذه الفترة.

بدورنا نؤيد هذا التوجه لأن فيه مصلحة المجتمع بأسره. فالمعروف أن (صيف البحرين) حر إلى أقصى حد ممكن. كما ليس من الواضح إلى أي مدى سيكون للقرار من تأثيرات سلبية على الأوضاع المالية للشركات العاملة في قطاع الإنشاءات. لكن يتوقع أن تتمكن الشركات من تكييف أوضاعها وخصوصا أن القرار سيطبق في فصل الصيف الذي يتميز بطول نهاره. بمعنى آخر سيكون بمقدور الشركات بدء العمل منذ الصباح الباكر (مثلا الساعة الخامسة) أي بعد شروق الشمس بفترة غير وجيزة. كما ليس من الصواب التصور أن القرار سيحد من الوضع التنافسي للشركات العاملة في قطاع الإنشاءات لأنه سيطبق على جميع المؤسسات ذات العلاقة.

حافلات مظللة

إضافة إلى ذلك، ترغب وزارة العمل في الحصول على دعم الحكومة لاستصدار قرار يلزم أصحاب الأعمال بتوفير حافلات مظللة عند نقل العمال من وإلى أماكن عملهم. لاشك في أن هذا المطلب واقعي ويتناسب مع طبيعة المناخ في البحرين إذ تشتد الحرارة أثناء فصل الصيف. كما أن هذا القرار مناسب في فصل الشتاء، إذ تدخل البرودة إلى العظام بحسب المشهور عندنا.

لاشك في أن قرار الحافلات سيضيف إلى كلفة التشغيل لدى الشركات. يبقى أنه لا يُعرف تحديداً الكلفة الحقيقية (يتحدث بعض أصحاب الأعمال عن رقم يصل إلى نحو مئة مليون دينار في حال اقتناء حافلات سعة راكبا على افتراض أن سعر الحالفة الواحدة يبلغ ألف دينار). الغريب في الأمر هو لماذا قام أصحاب المقاولات بالاستفادة من حافلات غير مظلة في بادئ الأمر وهم على علم بأوضاع المناخ في البحرين.

ربما لا يختلف اثنان على أنه لمنظر بعيد عن مبادئ الإنسانية ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين أن نرى بأم أعيننا صوراً حية لنقل العمال الأجانب في سيارات مكشوفة تلسعهم أشعة الشمس. بل إن صور نقل العمال الأجانب في عربات غير مؤهلة تبعث على الاشمئزاز وتعكس مدى انتشار الجشع لدى بعض تجارنا.

عموماً ليس من الإنسانية في شيء استغلال العمالة الأجنبية بحجة المحافظة على كلفة التشغيل. بل إن هذه الحجة ربما تكون غير واقعية وذلك في ضوء شح المعلومات المتوافرة عن الحسابات المالية التفصيلية لشركات المقاولات. المشهور أن شركات المقاولات مربحة، على الأقل هذا ما تبين أثناء طرح عملية الاكتتابات الأولية في العام الماضي.

تجاوزات أخرى

من جهة أخرى، لا بأس بالإشارة إلى صور أخرى فيما يتعلق بالعمال الأجانب، ونتمنى أن تتحرك الوزارة ازائها. فهناك مشكلة العمل لساعات مطولة، إذ يلاحظ أن بعض المؤسسات تلزم الموظفين الأجانب بالعمل لساعات قد تمتد لنصف يوم كامل. بعض أصحاب الأعمال يدعون أنهم يدفعون للوقت الإضافي لكن في الغالب ليس بمقدور العمال الأجانب رفض الأوامر.

أيضا هناك ظاهرة الزج بعدد كبير من العمال في غرفة واحدة، إذ يميل بعض أصحاب الأعمال إلى حشر عدد قد يصل إلى عشرة عمال في غرفة واحدة مزودة بمرفق صحي واحد من دون الاعتبار للآثار السلبية المحتملة على صحتهم. ربما يتحجج بعض أرباب الأعمال بأن السكن المتوافر لبعض العمال الأجانب أفضل مما يحصلون عليه في بلدانهم. لكن هذه المقارنة غير صحيحة لعدة أسباب منها أنها تؤثر سلبا على صحة المجتمع البحريني برمته إذ يتعامل هؤلاء مع المجتمع برمته. كما علينا بتطبيق المعايير الدولية الداعية إلى حسن التعامل مع العمال.

ختاماً نرى أن مقترحات وزارة العمل تستحق كل الدعم والتأييد والثناء. ونتمنى أن تتعاون مؤسسات القطاع الخاص مع المتطلبات الجديدة للحكومة لأن في ذلك مصلحة البحرين. كما نأمل من الوزارة أن تأتي بقرارات جديدة تخص تحديد العمالة الأجنبية فضلا عن تأكيد توفير أماكن سكن لائقة للعمال الأجانب