العدد 1392 - الأربعاء 28 يونيو 2006م الموافق 01 جمادى الآخرة 1427هـ

سعاد حسني من قتلها بدم بارد؟...أيدي المخابرات أم خطيئة التطرف

على رغم مرور خمسة أعوام على رحيلها:

يظل رحيل سعاد حسني لغزا محيرا، بعد أن أصبح سرا يكتنفه الغموض ويبقى السؤال: هل ماتت «سعاد» منتحرة أم أنها قتلت وألقيت جثتها من شرفة الطابق السادس في تلك البناية المشئومة في لندن. أصابع الاتهام وجهت لأكثر من جان، إلا أن هذه الاتهامات لا تثبت الجريمة، وإذا كانت الدلائل تؤكد قتل سعاد حسني بدم بارد فمن يقف وراء الجريمة ؟! أهي أجهزة الاستخبارات، وخصوصاً بعد أن تردد وبقوة أنها كانت تكتب مذكرتها والتي تحمل إدانة لشخصيات وهيئات وجهات استخباراتية... أم أنها جريمة ارتكبها التطرف الديني من أولئك الذين فشلوا في أن يسوقوها إلى الشعور بأن فنها كان جريمة، وأن حياتها كانت خطيئة، توجب عليها التوبة والتحجب، الأمر المؤكد أن مصرعها لم يكن انتحارا، وليس سقوطا بالصدفة تسبب في ازهاق روحها لأنها كانت في صباح ذلك اليوم المشئوم في حال نفسية رائعة، فضلاً عن أن المقربين منها كانوا ولايزالوا يؤكدون حبها للحياة، وإيمانها بالله، وتملكها للإرادة والصراع من أجل البقاء. لا يخفى على أحد أن حياة السندريللا كانت مليئة بالآلام والأحزان، وعلى رغم ذلك ظلت الإطلالة المفرحة على الشاشة. ولدت سعاد حسني في العام لأسرة فنية كان لها حضور فذ قبل أربعين عاما من الفن الجميل، قدمت خلالها ثمانية وسبعين فيلما سينمائيا كان آخرها «الراعي والنساء» وفي القاهرة بين شارع رمسيس، إذ كانت تسكن الأم وميدان الأوبرا، إذ كان يسكن الأب، عاشت الطفلة الفصل الأول من فصول الحزن طفولة غير مستقرة، دفء أسرى فقدته الطفلة في سن مبكرة لتنتقل في الرابعة عشرة من عمرها لتعيش في منزل أختها الكبرى المطربة «نجاة» وتتوإلى الحوادث الجسام في حياة « الفتاة الحزينة « ليخطف الموت شقيقتها الصغرى صباح بعد أن استقرت بشقتها في حي الزمالك، في العام قدمها الفنان الراحل عبدالرحمن الخميسي إلى المخرج بركات الذي أسند إلى «الفتاة» التي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها أول بطولة مطلقة في فيلم «حسن ونعيمة» لتبدأ في وضع أولى خطواتها على طريق الفن.

وانطلقت سعاد بسرعة الصاروخ لتقف في العام التالي أمام عمر الشريف في فيلم «إشاعة حب» وتتوإلى البطولات لتشارك عبدالحليم حافظ «البنات والصيف» وتنهال العروض السينمائية عليها، وعلى رغم أن الحزن لم يفارق عيني «الفتاة البريئة» حتى أن ملامح وجهها اكتست بفرح مختلس من حزن يخيم في أعماق نفسها. تنوعت الأفلام التي قدمتها ما بين الاستعراضات والمغامرات والكوميديا، وكان مؤشرها الفني يدلل على حضور نجوميتها الواسع، إذ إنها قدمت للسينما تسعة وأربعين فيلما بين عامي ، ، أي بمعدل سبعة أفلام كل عام، كانت خلالها البطلة المتدفقة بسلاسة وعفوية فأرست لغة سينمائية متميزة وتركت مخزوناً لا ينضب من الأفلام التي ظلت في ذاكرة السينما حتى اليوم، منها «القاهرة «، «الزوجة الثانية»، «عائلة زيزي»، «حسن ونعيمة»، وكانت تلك الأفلام بمثابة الشرارة الأولى التي أطلقت بداية مرحلة جديدة لنضج سعاد حسني مع «بئر الحرمان» في مطلع السبعينات و «الحب الضائع»، و«غروب وشروق» و«زوجتي والكلب» و«الاختيار» و«الناس والنيل والخوف»، «خلي بالك من زوزو»، «الحب الذي كان»، «غرباء»، «أين عقلي» و«شفيقة ومتولي» و«المتوحشة» لتنتهى بذلك مرحلة السبعينات التي شهدت أهم وأنضج أفلام سعاد حسني مع كبار المخرجين الذين أعادوا اكتشافها أو الكشف عن الطاقة الهائلة في ذلك البركان التمثيلي، وتنوعت السندريللا في إيقاع أدائها بين الشخصيات بالغة التعقيد وشخصيات سلسة تناولتها بأداء عفوي قادر على التأثير من دون مبالغة أو تظاهر انفعالي يغرب الشخصية ويخرجها عن مقصدها الدال في سياق الحوادث، من هنا تأكدت أهمية الأدوار التي تقمصتها السندريللا على خارطة السينما المصرية والعربية، وتأكد حضورها بموهبتها الفنية التي طالما ارتقت إلى آفاق عالية لتستمر في عالم الفن وتوجه وجهتها للتلفزيون بعدما ظلت تعتنق مبدأ أن العمل في التلفزيون خيانة للسينما لتقدم المسلسل المعجزة «هي وهو»، إذا كانت تعتبر نفسها نجمة سينمائية اعطتها السينما كل الشهرة والمجد وأي اتجاه للعمل التلفزيوني خيانة للسينما وهذا نفس المعنى الذي اعتنقته «فاتن حمامة « سيدة الشاشة العربية طيلة حياتها الفنية إلى أن أقنعها «عادل صادق» بعد استعانته بالكاتب توفيق الحكيم بالعودة ولم تخض سعاد التجربة إلا بعد أن أملت شروطها على المخرج «يحيى العلمي» الذي سلم بدوره لكل طلباتها لتقف السندريللا أمام «أحمد زكي» ويخرج المسلسل المعجزة للنور ويحقق نجاحاً مبهراً، وتمنح سعاد جائزة أحسن ممثلة عن أدوارها وسلمت اليها في عيد الميلاد التليفزيون المصري، غير أن سعاد لم تلبث أن اكتشفت أنها دفعت ثمناً غاليا لهذا النجاح بعد أن أصابها «الانزلاق الغضروفي» الذي نخر في عمودها الفقري بالتهاب حاد لتبدأ الكارثة المفجعة في حياة سعاد، وراحت تقلل من الحركة وتنام على لوح خشبي لتضع نفسها للأطباء واضطرت لترك الأدوار التي تتطلب بذل مجهود أمام الكاميرا ويتحول الانزلاق الغضروفي إلى مرض مزمن لتتجه إلى فرنسا لتعالج في مستشفيات متخصصة، وكان علاجها يستلزم اعطاءها «الكووتيزوت» الذي سبب لها البدانة وازداد وزنها يوماً بعد آخر لتصاب بالاكتئاب بعد أن أيقنت أنها ستحرم من الوقوف أمام الكاميرا كانت تعاني حينها الخوف من المجهول الذي ينتظرها، وتتمسك بكل ما بقى عندها من شجاعة عانت المرض والوحدة والبحث عن استكمال علاجها بعد حرمانها من العلاج على نفقة الدولة لتبدأ رحلة العلاج الطويلة وحدها، والتي انتهت نهاية مأسوية بعيداً عن الأهل والوطن، وبعد مرور خمس سنوات على رحيل «السندريللا» ليست هناك جدوى من البحث عن أسباب موتها بالانتحار أم بالاغتيال؟ وأياً كانت الإجابة فإن صاحبة الضحكة الحلوة قد رحلت بلا رجعة، وعلى رغم ما سببه رحيلها بهذه الصورة من ألم يعتصر قلوب محبيها إلا أنها تركت لنا عزاء في الحزن وتأنيباً للضمير فيما اقترفناه في حقها من تجاهل وألم، على رغم ذلك ستظل «سعاد» ماثلة أمام أعيننا دائماً برقتها وأنوثتها وتلقائيتها، علها تدق ناقوس الخطر لتجاهل الكثيرين ممن قدموا للفن أغلى ما لديهم من أيام عمرهم ليعيشوا بعد احالتهم للمعاش حالاً من العوز والتجاهل من جانبه يؤيد المؤرخ الفني «عبدالنور خليل» أن نهاية سعاد حسني لم تكن انتحاراً مشيراً إلى أنه طول معرفته بها يعلم أنها كانت محبة للحياة ومؤمنة بالله ولديها الإرادة للصراع من أجل البقاء، ويضيف: على افتراض أن الحادث انتحاراً فلماذا تختار هذه الصورة البشعة لتنهى حياتها ولماذا لم تزد في جرعات الدواء التي تتناولها وينتهى كل شئ في هدوء؟ ويميل « خليل « في تفسيره للحادثة إلى القول بأنه قد يكون ثمة خلاف بين سعاد ومن معها في الشقة حينئذ قد وقع، وربما بسبب بسيط لا يخطر على بال نتج عنه تعرض سعاد حسني للهبوط الحاد أو الأزمة القلبية في الدورة الدموية أدى إلى موتها، ولم يجد من حولها بداً في إخفاء ما حدث ويصورون ما حدث على أنه انتحار فنانة أرهقها الاكتئاب

العدد 1392 - الأربعاء 28 يونيو 2006م الموافق 01 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً